هل أنت حاسد؟!
لو قمتَ بطرح هذا السؤال على عينة عشوائية عريضة من المجتمع، فكم تتوقع نسبة من يكون جوابهم «نعم»؟ في ظني أن نسبتهم لن تصل واحدا في الألف. ولو كان سؤالك هو: هل أنت محسود؟ ستحصل على «نعم» بنسبة عالية تفوق توقعاتك. فأين اختفى الحاسدون مع كثرة المحسودين؟
كل واحد منا يقرأ سورة الفلق مستعيذا بالله من الشرور المذكورة فيها، والتي تنتهي بقوله تعالى: «وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ». ولكن كم من واحد سأل نفسه: هل أنا حاسد؟.
قبل أن تجيب، ينبغي أن تتعرف على معنى الحسد وما هو موقف الشرع الشريف منه.
الحسد كما عرفه الفقهاء هو كراهة النعمة على المحسود وتمني زوالها عنه. وتشمل النعمة كل النعم من المال والجاه والصحة وراحة البال والسعادة والإيمان وغيرها. وهو من أمراض القلب التي ينبغي التخلص منها تطهيرا لباطن الإنسان ليكون مشمولا برحمة الله تعالى: «يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ». وتطهير الباطن، كما هو معلوم، أعقد وأصعب من تطهير الظاهر، «فلو غسل من يحمل في قلبه الحقد أو الحسد بكل مياه الدنيا لم يطهر، بل اللازم استعمال مطهر خاص، من نمط معين، لكل واحد من نجاسات الباطن؛ ولذا كان: «مرض القلب أعضل وعلاجه أعسر ودواؤه أعز وأطباؤه أقل» ».
هناك مرحلتان من الحسد، مرحلة الداخل القلبي، ومرحلة الخارج الظاهري. وربما استفاد بعض المفسرين من قوله تعالى: «إِذا حَسَدَ» مرحلة تفعيله في الخارج بعد كونه في النفس مستورا. يقول صاحب الميزان في تفسير الآية: أي إذا تلبس بالحسد وعمل بما في نفسه من الحسد بترتيب الأثر عليه.
وقد تعرض الفقهاء للحسد في كتاب الشهادات، واختلفوا في المحرم منه المؤثر في عدالة صاحبه: هل هو القلبي أم ما يرشح منه في الخارج ويظهر في صورة أفعال، أم الأمران معا: الداخلي والخارجي؟.
يقول المحقق الحلي في كتابه «شرائع الإسلام»: الحسد معصية، وكذا بغضة المؤمن، والتظاهر بذلك قادح في العدالة. أما الشهيد الثاني فيعلق على هذه العبارة في كتابه «مسالك الأفهام» قائلا: لا خلاف في تحريم هذين الأمرين. والتهديد عليهما في الأخبار مستفيض. وهما من الكبائر، فيقدحان في العدالة مطلقا. وإنما جعل التظاهر بهما قادحا لأنهما من الأعمال القلبية، فلا يتحقق تأثيرهما في الشهادة إلا مع
إظهارهما، وإن كانا محرمين بدون الإظهار.
وبعد أن تعرفتَ على الحسد، يجدر بك أن تتعرف على علاماته، وقد لخصها الإمام علي في أمور سلوكية ثلاثة، كما ورد عنه: «للحاسد ثلاث علامات: يتملق إذا شهد، ويغتاب إذ غاب، ويشمت بالمصيبة».
ثم اطرح على نفسك الأسئلة التالية:
هل أستكثر على أحد نعمة من نعم الله عليه؟ هل أتمنى زوالها؟ هل أشغل ذهني بالتفكير في صرف الخير عنه؟ هل أفرح بنزول مصيبة عليه؟ هل أذكره بخير في حضرته وبسوء في غيبته؟ هل أتضايق إن ذكره غيري بخير؟ هل أجد في نفسي مشقة لمدحه والثناء الصادق عليه أمام الآخرين؟
وبعد الإجابة اسأل نفسك مرة أخرى: هل أنا حاسد؟