العزوف عن قراءة الصحف الورقية «1»

تعودت منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي على شراء الصحف الورقية لمتابعة ما يمور في هذا العالم من أحداث وتطورات تعكسها مرايا الصحف. فبالإضافة الى الراديو كأحد وسائل المتابعة، كانت الصحف تشكل أحد أهم مصادر المعلوماتوالأخبار والتقارير والتحليلات من بين العديد منوسائل المتابعة في عالم اليوم.

في وقت لاحق صرت أهتم أيضاً بمتابعة الشأن الثقافي في الصحف، من خلال ما ينشر من موضوعات ثقافية وأدبية وفكرية في الصفحات الثقافية، فضلاً عن الملاحق الثقافية المرفقة مع بعض الصحف، فقد ساهمت هذه الصفحات في خلق حالة ثقافية نشيطة، وعدت الصحافة بأنها مصدر من مصادر الوعي الثقافي.

كنت أتردد على «مكتبة عبير» بسيهات لشراء الصحف والمجلات والدوريات المختلفة. فقد اشتهرت مكتبة عبير ببيع الصحف الورقية المختلفة والمتنوعة، وظلت كذلك إلى وقت قريب، قبل أن يتقلص عدد قراء الصحف الورقية، وتتراجع مبيعاتها، وتأخذ في التناقص، وتتجه نحو الانحسار والتراجع. فيوم ذاك لم تزل الصحف الورقية محل اهتمام القراء ومتابعتهم، ومستوى مبيعاتها لم يزل مرتفعاً.

لم تشتهر مكتبة عبير ببيع الصحف الورقية فقط، بل اشتهرت أيضاً بموظفها المتميز عباس. فهذا العامل الهندي الجنسية، ظل يعمل بالمكتبة منذ تأسيسها وإلى عهد قرب جداً. فهو يتكلم العربية، ويجيد التحدث بها بطلاقة، ويعرف أسماء مرتادي المكتبة بالأسماء والألقاب، وطبيعة ميولهم، حيث كان يقوم مع إطلالة كل صباح بفرز طلباتهم من الجرائد اليومية، ويحجزها جانباً، حتى يأتي كل منهم لاستلامها وقت الصباح، أو بعد العودة من المدارس أو الأعمال عند المساء، فقد مرّت أوقات كانت فيه نسخ بعض الصحف تنفذ قبل أن توضع وتصف على علاقة المبيعات.

أما اليوم فلم يعد الذهاب إلى المكتبة وتصفح الجرائد الورقية من عاداتي اليومية، بل لم أعد أذهب إلى المكتبة لشراء الصحف، لا في الصباح ولا في المساء كما كنت أفعل سابقاً، بل ولا أتعامل مع الصحف الورقية، وانقطعت عن شرائها منذ عدة سنوات، ولا أسعى للحصول عليها، بل استغنيت عنها لصالح الإعلام الرقمي. فبعد ثورة الاتصالات والمعلومات ودخول الإنترنت مجال التداول، والتطور في مجال الإعلام الإلكتروني، أصبح ترددي على المكتبة وتصفح الجرائد وشرائها، من ذكريات الماضي الجميلة.

أصبحت اليوم عازفاً عن مطالعة وقراءة الصحف الورقية، وأنجذب للإعلام التفاعلي والالكتروني، على حساب القراءة الورقية، وأُقبل بشكل كبير على تصفح النُسخ الإلكترونية للصحف، حيث أصبح بإمكاني تصفح ما أشاء من الصحف في هذا العالم بكل حرية، وبقليل من الكلفة، وهو الأمر الذي لم يكن متاحاً قبل الثورة الرقمية. فمع انطلاقة هذه الثورة أصبح الحصول على المعلومة/الخبر أمراً سهلاً ويسيراً من خلال جهاز الكمبيوتر أو الهاتف المحمول، ومنأي مكان أتواجد فيه، سواء كنت في البيت أو العمل، أو أي مكان تتوفر فيه خدمة الإنترنت. ففي عصر الإنترنت أصبحت تطبيقات الهواتف الذكية توفر للإنسان المعلومات اللازمة على مدى ساعات النهار والليل وفي كل بقعة من هذا العالم.

إن ما سمي بالقرية الكونية قبل حين من الزمن أصبح اليوم واقعاً ملموساً، «ففي عصر الانفجار المعلوماتي الذي نعيشه منذ انطلاقته في تسعينيات القرن الماضي، نتيجة التقدّم التقني المذهل في عالم الإعلام، محا حدود الزمان والمكان، وصارت المعلومات حاضرة في كل وقت وفي كل نقطة على الأرض. أصبحت الصحيفة نتيجة ذلك وسيلة إعلامية محدودة في منافسة قاسية مع وسائل تملك مدى وقدرات وسحراً غير محدودة. فقد تغيّر المشهد الإعلامي في العالم بشكل جذري غير مسبوق، وأخذت الصحف تبحث عمّا يبقيها على قيد الحياة».

الأجهزة الإلكترونية الحديثة التي نتصفح من خلالها النسخ الإلكترونية للصحف ليست سهلة الاستخدام فقط، وإنما سهّلت أيضاً عملية الاتصال والتواصل والتفاعل مع مواقع الصحف الإلكترونية، أو مع وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة، مما أتاح للمتصفح ميزة التفاعل مع ما يدور حوله من أحداث وتطورات أينما وجد. بالإضافة إلى ميزة الكتابة والتعبير عن أفكاره وآرائه، إذ يمكن لأي شخص في هذا العالم قراءة ما نكتب، والتفاعل معه، والرد عليه، وإعادة نشره، من دون رقابة أو قيود.