القطيف.. هجرة نحو المعرفة

 

*القطيف.. هجرة نحو المعرفة

منذ سنوات وفي القرن الثالث عشر الهجري تحديداً بزغت منطقة القطيف شرق السعودية كحاضرة علمية ومركز للإشعاع الديني واستمرت إلى وقتنا المعاصر من حيث الثقافة والفكر والأدب حيث الشغف العلمي والمعرفي دأب أهلها ، فكانت المنطقة تشهد حلقات للتدريس الديني المتقدم فيما يصطلح على تسميتها في الوقت الحالي بالدروس الحوزوية والتي من خلالها تخرج عدد من العلماء والمجتهدين.

 ولم يكن كاف لدى طلبة العلوم الدينية التحصيل الناتج من تلك الحلقات بل كانوا يهاجرون إلى الحوزات العلمية وبالخصوص النجف الأشرف والبقاء فترات طويلة من الزمن للتعمق في الدراسات والعلوم الدينية، وعلى ذلك اقتفى الأبناء آثار الأجداد والآباء واستمروا في طلب العلم والبحث عن المعرفة والتحصيل الذاتي والهجرة لأجلهما إن تطلب الأمر.

ومما يدلل على ذلك الحالة الثقافية المتنامية التي تشهدها منطقة القطيف في الوقت المعاصر من وجود الخطباء والباحثين والمفكرين والكتاب والأدباء وتزايد المنتديات والملتقيات الأسبوعية التي تناقش القضايا الاجتماعية والدينية والوطنية العامة.

كما تحتل منطقة القطيف مرتبة عالية فيما يصدر من الكتب والمجلات والنشرات على الرغم من كونها جهود فردية من قبل أبناء المجتمع، وقد أشار الباحث السيد عباس الشبركة المهتم بجمع وتوثيق كل ما يصدر من المنطقة في تقريره السنوي للعام 2008 بأن محصلة ما صدر من كُتاب منطقة القطيف لذلك العام كان 181 كتاب في شتى المجالات و22 مجلة دورية منها المتخصص ومنها العام وما يزيد على 25 نشرة في مختلف المناسبات.

إن ما يساهم في تطوير المجتمعات وإثراءها استفادتها من تجارب الآخرين وأخذ الإضاءات الإيجابية منها لتطبيقها على الواقع المجتمعي أو جزء منه، ومن تلك الوقفات المضيئة التي ينبغي اقتفاءها الاهتمام بزيارة معارض الكتاب الدولية أو التي تنظمها بعض دور الثقافة والنشر داخل وخارج البلاد.

ففي كل عام ينتظر كثير من المهتمين من أبناء القطيف بترقب كبير معرض الكتاب الدولي ومهرجان الأيام الثقافي بمملكة البحرين من أجل حضورهما للاطلاع على جديد الحركة الثقافية العربية أو شراء عدد من المؤلفات وفق تنوع فكري متباين . ومنهم من يقصد المعرض غير مرة لشراء كتاب لم يجده في زيارته الأولى أو نفذت كميته المعروضة أو للحصول على نسخة أخرى منه ، كما أن البعض يقصد الشارقة أو الرياض أو جدة لحضور ما يقام فيها من معارض ومهرجانات ثقافية.

إن الثراء والإثراء المعرفي بحاجة لوقفة حقيقية من قبل الفرد الذي عليه استشعار النقص والقصور في نفسه وطريقة إدراكه وتحليله للأمور فيجد نفسه محتاجاً للبحث عن العلوم والمعارف وقصدها أينما كانت ويتحتم على المجتمع تهيئة أفراده وإعداد البرامج لهم للارتقاء بهم كجيل معرفي واعي يرتكز عليه في تنشيط الحالة العامة وحفظ أصالة وتراث المنطقة التي يعيش ضمنها.

كما أنه من واجب الدولة دعم منابع الفكر مادياً ومعنوياً كبقية الأنشطة والفعاليات الرياضية والدعوية والسماح بإقامة كل ما يعزز الحالة العلمية والثقافية وفسح المجال للكتاب للعبور كتلك الكتب التي تشيع روح الألفة والمودة بين الإنسانية.

كل ذلك وغيره سيعطي انطباعاً إيجابياً لدى المتابعين لقياس مدى الوعي والتطلع الذي تعيشه منطقة ما على كامل البلاد وبالتالي رسم صورة مشرقة تنعكس بخيرها على الجميع.   

* نشر في جريدة الدار الكويتية الجمعة 12 شوال 1430 , 02 اكتوبر 2009 العدد521 السنة الأولى