البقيع عنوان الصلاح والإصلاح

يمر علينا يوم البقيع العالمي والذي يصادف الذكرى السنوية لهدم القباب الطاهرة لأئمة أهل البيت في بقيع الغرقد بالمدينة المنورة في هذا العام والعالم الإسلامي بالعموم وبلادنا بالخصوص تمر في مرحلة استهداف إرهابي من قبل من لا يراعون حرمة لبشر ولا دين، ونسال الله أن يقي بلادنا شرور الأعداء، ولكن ينبغي لنا العمل على تجنيب بلادنا لتلك الشرور فإن العاقل من اتعض بالمواعظ وتجنب الشر قبل حلوله.

وبالرغم من الأهمية الذاتية لقضية البقيع حيث أنها تمثل أولوية وقضية كبرى قائمة في التعدي على رسول الله وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، ووجوب العمل على رفع ذلك الهتك والتعدي يعتبر أمرًا وجوبيًا فوريًا كرفع الهتك لأي مسجد أو مكان مقدس، ولا يتغير ذلك الحكم بالتقادم بل لافرق عقلاً وشرعًا بين استمرار الوضع على ما هو عليه وبين تهديم تلك المقدسات بشكل يومي مستمر، كما أن تعظيم آثار العظماء والمطالبة بذلك هو قضية يجمع عليها البشر وتتبناها جميع الشرائع والأديان إلا من شذ، وكل بلاد الدنيا وعقلاؤها تشهد بذلك.  

ومنطقيًا فإن هذه الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد ومحاولة التصدي للتهديد القائم وأسبابه يجعل الاهتمام بقضية البقيع وجعلها عنوانًا ومفتاحًا لتحصين البلد من شرور الأعداء، كما أنه فرصة لمحاسبة النفس على جميع المستويات لاصلاح البلاد والعباد، ومن هذا المنطلق وقبل ذلك من منطلق نصرة رسول الله وأهل بيته الطاهرين الذين وعد الله بنصرة من ينصرهم وخذلان من يخذلهم، أردنا أن نساهم ببعض الكلمات التي نسأل الله أن تكون من الكمات الطيبات التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ومن الباقيات الصالحات، ونحن نؤمن بجدوى الكلمة الطيبة كما وعد الله:

١ - لعله أحد أسباب استهداف البلاد هو عدم الاعتراف الرسمي الحقيقي والقانوني بمذاهب المسلمين التي تعيش في بلادنا، بحيث ينشأ كل أبناء البلد وهم على قناعة بوجود مذاهب أخرى تقاسمهم العيش في البلد من دون أن يتم التحريض العملي على أي مذهب أو طائفة،  ولانقصد بالاعتراف هو تغيير القضايا الفكرية والعقائدية أو القناعات الشخصية، فكل شعوب الدنيا لها قناعاتها ابتداءً من أعلى مسؤول إلى أقل مواطن ولا يمكن لأي قانون أن يغير ذلك، وإنما القوانين تحكم الأمور العملية للبلاد، نعم ما نقصده أن يتم الاعتراف عمليًا وقانونيًا بالمذاهب ومتعلقاتها وشعائرها بحيث لا يتم التجاوز رسميًا على أي مذهب، وأن تطبق قاعدة «لا إكراه في الدين» والقاعدة التي يجمع عليها المسلمون وهي لا احتساب في الأمور الخلافية.

من هذا المنطلق فإن البقيع  يمكن اعتباره عنوانًا ومفتاحًا لهذا الأمر، لا بل إن اعادة النظر في إدارة الحرمين وكنوز الآثار الاسلامية التي تحتويها لهو بالضرورة سيعود بالخير الكثير المعنوي والمادي على البلاد وسوف يؤتي البلاد أجرها مرتين، وأما أن يصل الحال إلى التعنيف وإهانة من يظهر الاحترام إلى رسول وأهل بيته الطاهرين فهذا مما لايتناسب مع الاعتراف الحقيقي وتطبيق تلك القواعد.

وكذلك فإن إكراه الناس وحملهم في التعامل مع تلك الآثار والمقدسات وفق نظرة دينية معينة حتى وإن كانت رسمية ففي ذلك إذلال واحتقار لباقي الطوائف وتأليب لبعضها على بعض، ولا يخفى على أي زائر حجم الجهود المادية والأموال التي تبذل للتعمير وخدمة الضيوف، ولكن ذلك لا يتناسب باي حال من الأحول مع تعامل القيمين مع الزائرين وما وظيفتهم إلا خدمة الضيوف فكيف يتناسب عمل الخادم مع اهانة الضيف؟ بل وصل الحال إلى أن يمنع الزائرون من قراءة الأدعية والزيارات حتى من هواتفهم الشخصية! وفي ذلك تعد واستخفاف وعدم اعتراف بوجود الآخرين كما أنه مخالفة صريحة لقاعدة لا احتساب في المسائل الخلافية، فلماذا يسمح للطوائف بتأدية عباداتهم وشعائرهم وفق مذاهبهم ولكن لا يعترف ولا يسمح لهم بممارسة شعائر الزيارة والتعامل مع المقدسات وفق مذاهبهم؟ إذن فالبقيع يمكن اعتباره عنوان ومنطلق لحل مسالة الاعتراف الحقيقي والكامل بالمذاهب.

٢ - المراقد الطاهرة في البقيع والمعلاة وغيرها هي من البيوت التي أذن الله أن ترفع وما أذن الله أن يرفع فسوف يرفع وبلا شك عاجلاً أم آجلاً، وذلك على نحو الثبوت، ولكن وظيفتنا على نحو الإثبات هو السعي والعمل لذلك بما نستطيع، وما يقوم به المؤمن في ذلك السبيل هو شرف له، كما أننا سوف نسأل أمام الله ورسوله وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام ماذا قدمنا في هذا السبيل، وكيف نكون مصداقًا لقول الرسول الأكرم المتفق عليه «والله لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهل بيتي أحب إليه من أهل بيته» ونحن لا نولي أي اهتمام بهذا الأمر، فهل  بيوتنا أعز علينا من بيوت أهل البيت التي أذن الله أن ترفع؟

٣ - جميع مراقد أهل البيت تقريبًا مرت بفترات طمس وهدم، ولم ترفع وتكون منارة للمؤمنين وتصل إلى ما وصلت إليه إلا عبر تضحيات الآلاف من الأئمة وخلص أصحابهم والفقهاء والعلماء والمؤمنين، ولذلك فإن هذا الأمر يستحق أن يعمل المؤمنون بما يستطيعون وبمنطق الناصح والمبشر من جهة، وبمنطق المنذر والمحذر من جهة أخرى.  

٤ - الأمور التي تهمنا تكون حاضرة في نفوسنا، كما أنها لا تغيب عن دعاءنا وتبتلنا ونذرنا وتوسلنا إلى الله، لذلك فأقل الإيمان أن يبتهل المؤمن ويتوسل إلى الله بالدعاء لرفع ذلك الهتك وأن يعجل في رفع تلك البيوت التي أذن أن ترفع.

نسأل الله أن يمن على الأمة بتوفيقها لنصرة نبيه وأهل بيته الطاهرين وأن يرفع بيوتهم التي أذن الله أن ترفع إنه أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين.

أنور آل محمد - ٨ شوال ١٤٣٦ هـ

المدينة المنورة على مشرفها وأهل بيته الطاهرين آلاف التحية والسلام