الحسين (ع) ومدينته الفاضلة
اقدام تهز العالم بخطواتها....... أفئدة تترجل على الأرض وتمشي مسرعة تحمل أرواحها لتحط في سفينتك الآمنة غير ابهة بالمخاطر من تعب ومشقة... وفقد الأرواح لا ترى ولاتسمع ولا تشعر الا بحب متيم سكن الضلوع وسرى في الجوانح.
« ادخلوها بسلام آمنين ».... طرقوا أبواب مدينتك وليس من شيمتك رد السائل بل انتم الكرماء... بابك مشرع تستقبل المؤمن والمذنب والعاصي ولمن يريد التوبة...
حلِم أفلاطون بمدينة فاضلة وبنى لها هرما من القيم والأفكارالنبيلة ولم يستطع تحقيقها لانه أفلاطون... ولانك الحسين ابن علي ابن فاطمة ابن محمد حقق العاشقون والهائمون بحبك المدينة الفاضلة الإلهية وبدون ان يفكروا أو يخططوا او تعيقهم إمكانات مادية أو معنوية، لأن كل نفس تتنفسه او حركة تدفعها او خطوة تسعى اليها او كل حرف تنطقه انه الهي ولما لا وانت من بذلت مهجتك وروحك وولدك وصحبك لله وانت من بكتك السموات اكثر من بكاك من في الأرض... نعم كل من يهيمن في عشقك وعرفك تمام المعرفة تتعمر بداخله مدينة إلهية فاضلة.
ها نحن سيدي نستاذنك لندخل مدينتك.... العبور بدون جواز او ورقة مختومة وبدون قيد او شرط وليس لها حدود او مكان فقط وجهتها لأرض طهرت وطابت لأنك ساكن فيها.... عجبا لك أيها الإنسان كيف صاغك وطوعك هذا الحب... هذه الكتلة البشرية من الطفل والشاب والشيخ الهرم الذي لايستطيع المشي ومن يتكأ على عصاه.... نساء ورجال الغني والفقير المتعلم والجاهل السياسي ورجل الدين والشباب المتحمس للحياة كيف ان حياته هنا رخيصة.
اغرب ما في هذه المدينة انك تجد جميع مشاكل البشرية والتي لم تستطع أي دولة في العالم بحضارتها وتقدمها التكنولوجي ومواردها الغنية ان تجد لها حلا من الفقر والجهل والظلم والمرض تراها انها حلت هنا.
فمن ناحية اقتصادية تدخل المدينة مجانا وبدون رسوم بل رسم معنوي وهو العشق الحسيني وهذا محله العقل والقلب... ثانيا الأكل والشرب مجانا طيلة اليوم ومما تتوقعه من طيبات ولذائذ... بل يتمنى عليك خادم الحسين ان تشرفه وتتناول من طعامه.. وينعم به الفقير والغني سواء فلا يخاف الفقير الجوع والعطش او مد يده لغيره او ينتظر حسنة من أخيه الغني.... والخدمة لاتتوقف هنا الكشف الصحي بالمجان والدواء بالمجان وغسل الملابس بالمجان وتنام بالمجان.. لا تدفع من جيبك قرشا واحدا.. واذا أحببت مشاركتهم ماليا يستنكرون عليك ذلك ويرفضون.
من الناحية الاجتماعية في الشكل الجميع يلبس اللون الموحد وهو شعار الحزن والمواساة الأسود والذي لا تميز نوعه وثمنه فلا احد يهتم وينظر إلى لباس الاخر بل كل ماكان بسيطا كان اكثر للسير والمضي ويختلط هذا اللون بغبار الأرض وترابه «العودة للأصل»... ولهذا التراب حكايات وحكايات لسنا بصددها الآن.. وليس هناك فرق في الخدمة الكل في ميزان واحد فصاحب المركز الاجتماعي والإنسان العادي يأكل من نفس الطعام وينام على الأرض مثل الجميع ولا يركب سيارة فخمة وهويته فقط زائر الحسين.
ومن هو المقدم للخدمة؟ من جميع الطبقات حتى من أفراد الطبقة الثالثة والذي يجمع مايزيد عن قوته الزهيد وقوت عياله طيلة العام ليوفر لزائري الحسين الضيافة فمن يبيع بقرة او جمل وهذه تعتبر ثروة لمن لا يملك غيرها.. وهناك من يشارك في جمعيات.
وهناك الكثيرالكثير
من الناحية السياسية في هذه المدينة ليس هناك حاكما او ملكا او وزيرا فالفؤاد متيم بشخص واحد وله الطاعة الباصرة والنفس الذليلة والمطلوب منه الرضا والشفاعة.
من الناحية النفسية: هذه العواطف المخزونه المكبوت الفطرية تتفجر قوة وصلابة وإرادة صامدة لاتعادلها إرادة يفيض منها العطاء ونكران الذات والشعور بالآخرين وهذا السخاء يحير الزائرين ويرون انهم صغار أمام هؤلاء الخدمة.
عندما ترتاد هذه المدينة تكون انت واحد من أهلها ومن هؤلاء الجموع والحشود المليونية فأنت تشارك السيدة المعذبة الحوراء زينب في مسيرتها للسبي، وفي هذه المدينة انت تواسي الزهراء في مصيبتها وافتجاعها، وتسعد قلب الامام الحزين صاحب الزمان روحي له الفداء.... وفي هذه المدينة انت تشارك الملائكة اللذين وكلهم الله بالبكاء على الحسين إلى يوم القيامة... وفي هذه المدينة تغسل الروح من أدرانها وتنتفض على شهواتها.
ومن الناحية الصحية: كل صور المآسي والاحزان البشرية تعطلها الذاكرة وتشحن زواياها بصور مأساة الطف.. امراضنا معظمها ضغوطات الحياة من يعيش في هذه المدينة ينعم بنفس جديد للحياة يتنفسه وكل ما يعانيه يصغر ويضعف يخرج من ذاته وينسلخ منها فهو ما جاء الا ليواسي الحوراء زينب في مصيبتها وسبيها،، كما أن ممارسة رياضة المشي لها فوائد صحية على الجسم والعقل.... أضف إلى المشاركة الجمعية لها انعكاسات نفسية وصحية.... والخدمة الصحية المجانية تزيد من ثقته بنفسه كفرد مهتم به.. ولا ننسى الفيض الحسيني الذي يعم الجسم والروح فيمده بطاقة نورانية يستشعرها ولا يستطيع وصفها.
ومن الناحية الأمنية: كثير من الأعداء والمتربصين يريدون الفتك بهذه المدينة والقضاء على معالمها ومحو آثارها لكن يأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون... من يقطن أرضها يقدم روحه فداء لأجل ان يبقى المعشوق خالدا في الوجدان ومع ذلك عناية إلهية تحف بها وتدرأ عنها عيون الارهاب... هذا العشق اخذ منهم مأخذا حيث نشر السلام بين الجميع وعمت المحبة والاخاء والأثرة والتعاضد وأزال الحقد والبغضاء فاستغنوا عن وجود محاكم أو سجون فليس هناك من يرتكب الجرم وليست هناك حقوق مضيعة.
مدينة الحسين الفاضلة أوسع من ان نتحدث عنها أو نصفها وأصعب من ان ندركها هل يكفي فقط أن نكتب عنها؟ ليس هذا حقها... هذا الحدث العالمي يتطلب منا ان نعقد المؤتمرات ونؤلف الكتب ونوظف الإعلام ونسخر الأقلام وإقامة معاهد البحوث والدراسات ليقف العالم على سر هذه المدينة ومن هو صاحبها الفعلي؟.
على قدر معرفتنا بالحسين نستشعر روح هذه المدينة ونسبر أغوارها ونتنعم بلذيذ أطيابها المعنوية..... فهنيئا لمن عرفه حق المعرفة قال الامام الصادق : « من أتى الحسين عارفا بحقه كتبه الله عز وجل من أعلى عليين».