العطاء الحُسيني غير مجذوذ

«اللهم اجعل لي قدم صدقٍ عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين».

ما أحوجنا في وقتنا هذا ونحن نستجدي التجلي أن نبحث ونتأمل في مواقف كربلاءـ وأن نحاول ان نسبر أغوار أسرارها، لنضيء مشاعل من قبس أنوارها، ولنستهدي فيها النور والفتح.

والدروس الي تقربنا للنقاء في حياتنا وفي مجتمعنا، فكربلاء مدرسة حيّة نابضة بالحياة ومستمرّة.

فهي العطاء الذي لا يحده حد. الحُسين ورث جميع الأنبياء والرسلات الألهية وهذا يمثل العطاء الرباني المستمر ليس له حدود وهو غير مجذوذ قال تعالى: «رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ». سورة هود آية 108 من أرض كربلاء ومن شهداء الطف لم أرى طيلة حياتي عطاءا يكتبه الدم القاني.

ولا عشقاً كهذا العشق المستمر ما بقى الدهر ما أجمله وابهاه أو هل ترون ولاءا على الأرض مثل هذا الولاء؟ قوما لم يبالوا أوقعوا على الموت أو وقع الموت عليهم؟!

عطاءا خلدوا به التاريخ حياةً وبقاء. العطاء من أقدس سمات الإنسان الخارج من القلب الصادق. والمجتهد المعطي لكي يحقق هدفه من خلال الطاقة المختزنةبداخله ليمنح من يريد بِكُلِ إخلاص يزرع بأتجاهاته علاقة لا يفهمها إلا من عرفها ويوصِلُها بحملٍ متين لا يمكن قطعه.

بحيث لا يكون هذا العطاء مقرونا بالرد كعطاء المقابله. بل يكون خالصاً لله تعالى. هكذا كانوا هم عملوا وأعطوا ثم أنجزوا زحفوا وهم يعلمون أن المنايا تزحف معهم. يسارعون إلى لقاء الحبيب. هل لا أدركنا السبب إن طينة أرحامهم طاهرة! أمة جددت العهد والبيعة لم تهان ولم تنتكس أرواح واجساد لم تخضع إلا لخالقها.

لم تركع ولم تعفر خدها بالتراب وتسجد إلا في صلاتها لخالقها فحين نادى بهم الحسين الشهيد أقبلوا عليه يتسابقون ويتهافتون للالتحاق بقوافل الشهداء. رافعين معهم أنفسهم وشعاراتهم إنا الموت في حبك لا نبالي به. في اليوم العاشر من محرمٍ الحرام هطل مطرُ الرحمة. توجت قلوبُ أسكنت الله فيها عشقوا الله فعشقهم وقتلهم حباً وذوباناً فيه جادوا بأنفسهم على أقصى غاية الجود.

في الحديث القُدسي «من طلبني وجدني، ومن وجدني عرفني، ومن عرفني أحبّني ومن أحبني عشقني، ومن عشقني عشقته، ومن عشقته قتلته، ومن قتلته فعليّ ديته، ومن عليّ ديته فأنا ديته». هنا ندرك أن الحُسين أعطى كُل شيء لله نفسه وأهله وأصحابه فأعطاه الله كُل شيء. عزمٌ حقيقي وإرادةٌ جادة. ومن هذا المنطلق لا بد ان يكون لدينا عطاء

لكن علينا أن نجعل من هذا العطاء باب ندخل منه وهو الإيمان بالقضية الكُبرى لا قضية جسدٌ مقطع فقط بل قضية الحق المُضيع لتتمثل أمامنا القضية بِكُل أبعادِها فهي قضية عقيدة ومبدأ لتكون كُل أيامنا حُسينية وألا نقتصرها عشرة أيام من محرم الحرام بل تكون جميع فصول السنة حُسينية ليستديم العطاء الحُسيني الكمي والكيفي ويكون العمل الصالح دائم وبأن يكون لك قدم صدقِ مع الحُسين ويكون مِصداقاً لك لحب الحُسين عليهِ السلام والقرب منه ومن شُهداءِ كربلاء الذين مثلوا بصدق ذروة الإخلاص وبذلوا مهجهم فصدقوا واستحقوا أن يكونوا من صحبة الحسين .