الشباب ودورهم في النهضة الحسينية
عمل الإمام الحسين على إشراك جميع فئات المجتمع في نهضته الملحمية الكبرى ليكون لكل فرد في المجتمع دور في المشروع الإصلاحي الحسيني الكبير، إن واقعة عاشوراء ذات مشاهد متعددة أدى أدوارها كل فئات المجتمع بمختلف أعمارهم وأجناسهم، فيها المرأة والطفل الرضيع والصبي الصغير والشاب في مقتبل العمر والشيخ الكبير، ولما تمثله فئة الشباب - كغيرها من فئات النصرة الحسينية - من أهمية كبرى في تركيبة المجتمع وباعتبارها الفئة التي سوف تنهض بالمجتمع في المستقبل الآتي، كان لها اهتمام ونصيب بارز ودور ريادي في مشروع الإمام الحسين الإصلاحي ونهضته التصحيحية.
إن الشباب المسلم وفي كل عصر ومصر ينظر للحسين بنظرة «الأسوة والقدوة» امتثالا لقول الرسول الأعظم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»، إن التأسي والاقتداء ظاهرة بشرية فطرية لا يخلوا مجتمع بشري منها، وهي بارزة بوضوح في كل المجتمعات فلا تحتاج إلى بحث وتقصي، حتى أصبح لكل مجتمع مجموعة من الأشخاص يمثلون النموذج الأكمل والأمثل في الحياة أو بعض جوانبها، والإنسان في مرحلة الشباب أشد حاجة للأسوة والقدوة وخير من يمثل هذا الجانب لشباب اليوم هم أولئك الشباب الذين التحقوا بركب الحسين في سفر الشهادة إحياءً للدين وإيقاظا للأمة.
ينظر الإسلام للشباب بنظرة إيجابية باعتبارهم قوة وحيوية محبة للخير ميالة للتدين، قال رسول الله : «أوصيكم بالشبان خيراً، فأنهم أرق أفئدة. إن الله بعثني بشيراً ونذيراً فحالفني الشبان وخالفني الشيوخ»، ويرى المتخصصون في مجال التربية: «إن فترة الشباب هي أنسب فترات النمو الإنساني لقبول الخير والحق فالشاب عادة غض ثائر من أجل المثل العليا وجهازه العصبي ما يزال مرناً لم تلوثه الانحرافات بدرجة تستعصي على التغيير كثيراً، وبالتالي تتيح له طبيعته الخيرة فرصة حيوية للتوبة والتعديل للذات»، وهذا ما أكد عليه الإمام الصادق : «عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير»، ولذلك نرى الحضور القوي الكبير والدور الهام المؤثر للشباب الناصر في الملحمة الحسينية الكبرى.
• الشباب الناصر في يوم العاشر.
حاولنا محاولة متواضعة سريعة لمعرفة عدد الشباب المشاركين في النهضة الحسينية في يوم عاشوراء وفق المدى العمري الممتد بين سن الرابعة عشرة والثلاثين، فظهر لنا أن عددهم تسعة عشر شاباً على أقل تقدير قاموا بدور الشباب في النهضة الحسينية. كان لكل شاب منهم مشهد يدعوا للتأمل والتوقف عنده تفكراً وتدبراً، فلنستعرض هذه المشاهد معاً استلهاماً للدروس والعبر لشباب اليوم لاستنهاض الهمم اقتداءً وتأسياً بهم قال تعالى: «أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ».
إن من السمات البارزة في شخصية الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام «إباءه عن الضيم» فكان «سيد أهل الإباء، الذي علم الناس الحمية والموت تحت ظلال السيوف، اختياراً له على الدنية، عرض عليه الأمان وأصحابه فأنف الذل، فاختار الموت على ذلك» فكان شبابه الناصر كسيدهم في إباءهم عن الضيم، وكان أبرزهم في ذلك علي الأكبر «أستشهد وعمره 25سنة» فكان من أمثلة إباء الضيم وكراهية الذل، فاختار القتل كريماً على الحياة مع الذل. «كان علي الأكبر من أركان الجيش في وقعة عاشوراء، ومن خصائصه تأكيده على محورية الحق والدفاع عنه، بل الإيثار بنفسه حين سمع نبأ الشهادة من أبيه أثناء مسيرهم إلى كربلاء، وتميز برفعه الأذان لإقامة صلاة الجماعة بإمامة الحسين في قضية مواجهة جيش الحر، وقيادته عمليات إيصال الماء إلى الخيام ليلة عاشوراء، وتطوعه للشهادة قبل سائر بني هاشم على المشهور».
لقد كانت نهضة الحسين حركة قائمة على رفض الظلم والفساد مقرونة بالتضحية والفداء، من أجل الإبقاء على العقيدة الإسلامية خالية من كل انحراف وتشويه، هادفة لإيقاظ الضمائر وتحريك العواطف نحو الحق، فكان ممن لبى الإستنصار الحسيني شبان أخوة ثلاثة هم أبناء أمير المؤمنين من زوجته ام البنين وعلى رأسهم أخيهم الأكبر العباس ، كان العباس يرغب بأن يرى إخوانه يفدون أرواحهم ويتفانون في سبيل إمامهم وأخيهم الأكبر لينال أجر الصابرين، ولهذا خاطب أخاه عبدالله «25عام» قائلاً «تقدم بين يدي حتى أراك وأحتسبك» ثم تقدم من بعده عثمان «21عام» وكان جعفر بن علي آخر أخ للعباس عليهما السلام استشهد في كربلاء وكان عمره تسعة عشر عاماً، وهكذا قدم العباس قرابينه الثلاثة صابرين محتسبين مستسلمين للقتال في سبيل نصرة الحق وإمام الحق. لقد تبنى هؤلاء الشباب أهداف ومبادئ الثورة ضد الظلم والطغيان والانحراف متحملين مسؤولياتهم تجاه دينهم وأمتهم مستجيبين لنداء إمامهم رافضين للذل والمساومة على الحق.
ومن المشاهد المشرقة في ملحمة عاشوراء مشهد «الصلابة في الحق» فلم يعرف الناس أكثر من أصحاب هذا اليوم اندفاعاً في نصرة الحق وصلابة في دك حصون الباطل، فقد رأى الإمام الأمة الإسلامية قد غمرها الظلم والجور ولم يعد في ساحتها أي ظل للعدل ولا للحق، فانبرى إلى ساحة الجهاد ليرفع كلمة الله تعالى معلناً بندائه ليلة العاشر: «ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً». فكان ممن رغب في لقاء ربه استجابة لنداء الحق الشاب القاسم ابن الحسن عليهما الصلاة والسلام «عمره الشريف بين 14 - 16 سنة»، «إن كيفية استئذان هذا الفتى من الإمام الحسين تدل على قوة معرفته وكمال درايته وشهامته وإيمانه - وصلابته في الحق ونصرته - ولعله بسبب صغر سنه لم يأذن له الإمام بالذهاب لسوح القتال في بادئ الأمر، إلا إن القاسم قبل يدي ورجلي الإمام وأصر كثيراً عليه حتى أذن له. وفي حين كانت قطرات الدموع تسيل على خديه حمل على صفوف العدو وهو يرتجز وبعد ان أهلك عدداً من عسكر ابن سعد التحق بركب الشهداء».
ومن الشباب الملتحق بالركب الحسيني في سفر الشهادة عبدالله بن مسلم بن عقيل «وعمره 26سنة» استشهد بعد علي الأكبر، ومنهم جعفر بن عقيل وكان عمره حين استشهد «23 سنة» وكذلك محمد بن أبي سعيد بن عقيل وعمره «25سنة»، ومحمد الاصغر ابن أمير المؤمنين وعمره «22 سنة»، ومن شبان ذلك اليوم ابنا عم وأخوان لأم المعروفين بالجابريان وهما سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع، ومنهم عمرو بن جنادة الأنصاري، ومنهم الأخوين عبدالله وعبدالرحمن الغفاريان، وغيرهم من شباب النصر الحسيني في يوم كربلاء الذي كان لكل منهم مشهد مشرف ودور جهادي. لقد كان هؤلاء الشبان يتسابقون إلى القتال ويتنافسون إليه، كانوا «مستميتون لا عاصم لهم إلا سيوفهم»، حتى وصفهم بعض رجال عدوهم من معسكر ابن سعد قائلاً: «ثارت علينا عصابة، أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية، أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها». كيف لا يكونون كذلك وهم القائلين لسيدهم ليلة العاشر «نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلنا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك». وهم الذين قال فيهم الحسين واصفاً لهم: «والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه».
• الشباب والفتح الحسيني في اليوم الحاضر.
أما شباب اليوم وبعد أكثر من ألف وثلاثمائة عام، فما زالت الفرصة أمامنا متاحة للالتحاق بالركب الحسيني لنكون الشباب الحسيني الفاتح في اليوم الحاضر، فقد جاء في كتاب الحسين عند خروجه من مكة «فإن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح ». يعلق السيد المقرم على هذا النص بقوله: «كان الحسين يعتقد في نهضته أنه فاتح منصور لما في شهادته من إحياء دين رسول الله وإماتة البدعة... فإنه لم يرد بالفتح إلا ما يترتب على نهضته من نقض دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن صراط الشريعة المطهرة وإقامة أركان العدل والتوحيد وأن الواجب على الأمة القيام في وجه المنكر». ويعلق العلامة الآصفي أيضاً: «كان الحسين ينظر إلى الفتح والنصر والغلبة من منظور حضاري تاريخي، فلا يشك أن الله تعالى سوف ينصره في هذه المعركة، ويفتح له ويحقق له الغلبة على بني أمية، وتنتهي المعركة لصالحه وخسارة معسكر بني أمية... والذين كانوا ينظرون إلى ساحة كربلاء يوم عاشوراء من خلال اليوم والساعة لم يشكوا أن الحسين مغلوب على أمره وبنو أمية غالبون، ولكن من كان ينظر إلى تلك الساحة يومئذ بهذه الرؤية التاريخية البعيدة المدى لم يشك أن الحسين هو الفاتح في هذه المعركة وأن بني أمية قد خسروا هذه المعركة خسارة كاملة».
ومن هنا نعلم أنه من أراد منا اليوم أن يلتحق بالركب الحسيني فعليه ان يكون مؤمناً بمبادئ الحسين وأهداف نهضته المباركة، فقد جاء في الزيارة المخصوصة «زيارة أول رجب» للإمام الحسين : «لَبَّيْكَ داعِيَ اللهِ، إِنْ كانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغاثَتِكَ وَلِسانِي عِنْدَ اسْتِنْصارِكَ فَقَدْ أَجابَكَ قَلْبِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي». وهذا يعني أن من أراد منا ان يلبي نداء الحسين فعليه ان يتبنى أهداف نهضته الحسينية وأن نتخذ من مواقفها منهجاً لحياتنا، ومن أهم هذه الأهداف والمواقف رفض التبعية للظالم والوقوف في وجه الظلم والاستبداد وكشف حقيقة الظالمين وإحياء السنة وإماتة البدعة والسعي في معالجة الانحراف على المستوى الفردي والمجتمعي، فمن كان كذلك كان ممن لحق بالحسين وبلغ الفتح الحسيني، فما زالت سفينة الحسين أبوابها مشرعة لطالبين النجاة، وما زال مصباح هدايته يشع نوراً لمن أراد الهدى.
كما ان على شباب اليوم مسؤوليات تجاه الحسين ونهضته، منها إحياء مبادئ نهضة الحسين إحياء عالمي يليق بمستوى النهضة وقائدها، فأن أبرز مبادئ النهضة «إصلاح الأمة» حيث صرح قائلاً: «وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي». إن الإصلاح المقصود هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل جوانب الدين والحياة من خلال مبادئ نهضته التي قامت على الهداية والرعاية للبشر أجمع دينياً ومعنوياً وإنسانياً وأخروياً، وعلينا اليوم إحياء هذه النهضة بمبادئها وإيصالها للبشرية أجمع، فمازالت وستبقى المشعل الوضاء الذي ينير درب الحق والعدالة وطاعة الله إلى يوم القيامة.
ومن أهم مسؤولياتنا تجاه الفتح الحسيني إقامة العزاء على مصيبة سيد الشهداء ، فقد حث أهل البيت في روايات كثيرة جداً على إقامة العزاء الحسيني وإحياء ذكرى عاشوراء، وشجع الأئمة على إنشاد الشعر حول هذه المصيبة وبشروا بالثواب العظيم على الإبكاء والبكاء، والتأكيد على أهمية العزاء في العشرة الأولى من المحرم وخاصة يوم عاشوراء، ولابد ان يقترن هذا الإحياء بمعرفة فلسفة إقامة الشعائر الحسينية، وفلسفة النهضة والشهادة الحسينية، وعلينا أن نقيم مجالس عزاء هادفة قائمة على المعرفة والتي تقدم عرضاً تاريخياً صحيحاً عن واقعة عاشوراء وتحليلها موضوعياً، خالياً من كل ما يشوه هذه الشعائر العظيمة او يسيء إليها، ومن المهم إشراك الشباب والفتيان الناشئين في هذه الفعاليات الحسينية وتخصيص مجالات واسعة من الطرح العلمي والمعرفي من على منابر سيد الشهداء لهذه الفئة، وإتاحة الفرصة أمامها لتقديم ما هو جديد وعصري بما يخدم هذا الهدف ولا يتعارض مع المبادئ والثوابت الحسينية.
ومن الأمور التي ينبغي على شباب اليوم تحمل مسؤوليتها تجاه الملحمة الحسينية هي السعي والمشاركة في زيارة الحسين ، فقد جاء الحث الأكيد على زيارته والتحذير الشديد من تركها، قال الإمام الباقر : «مروا شيعتنا بزيارة الحسين فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يقر له بالإمامة من الله عز وجل». وقال : «من لم يأت قبر الحسين من شيعتنا، كان منتقص الإيمان منتقص الدين». إن التأكيد والحث على زيارة سيد الشهداء ينطوي تحت معاني وآثار فلسفية متعددة منها: الآثار التربوية العظيمة في نفوس الزائرين، كما أنها تعد نوعاً من الترويج للقيم الدينية والمعنوية لتلك الشخصيات التي جذبت قلوب الناس إليها. ومن فلسفة الزيارة كذلك «رسالة سياسية مهمة لأتباع أهل البيت ومحبيهم وهي تهيئة الأرضية الثقافية والإعداد لتحقيق الأهداف السامية للنهضة الحسينية، أي سيادة القيم الإسلامية بالقيادة التي يرتضيها أهل بيت الرسالة».
هذه بعض من مسؤولياتنا كشباب يريد أن يلتحق بركب الحسين مقتدياً بالشباب الناصر في اليوم العاشر، ملبياً نداء الحق بعد طول المدة وبعد المسافة، والفرص المتاحة أمام الشباب اليوم كثيرة ومتنوعة لخدمة سيد الشهداء وقضيته ونهضته كلاً حسب ما يمكنه ويستطيعه ويتقنه، بما يتوافق ويتلاءم مع الحركة الحسينية وشعائرها، فهنا نرى الشاب الناعي والشاب الشاعر والشاب الرادود، وهناك نرى شاب كاتب مقال وشاب يرسم لوحة وشاب يلتقط صورة، وآخرين من الشباب مشاركين في مواكب العزاء هنا أو هناك، ومجموعة أخرى تستقبل وفود الزائرين تحمل عنهم عناء السفر تقدم لهم موائد الإطعام، فلا يوجد شاب حسيني إلا وله من الخدمة الحسينية نصيب، منتشرين في كل أرض رفعت راية الحسين جمعتهم كلمة «لبيك يا أبا عبدالله» وقلوبهم تنبض «اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود وثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين».