أنا وليالي الحُسين

الليلة الأولى: جفَّت دموعي دون أن أبكي الحُسين.

وَقفتُ على باب الحيرةِ ثاكلة

قلبٌ يتلظّى، لا مدامِعُ هاملة

أشكو لوعتي عند الوالهين..

وهل لـِ والهٍ أن يُجيبَ السائلة؟؟

أرنو على صعِيد الآه والآهُ محمرّة

أُمعِن والأرواح تبكي لشجواهُم..

لَهُم طُرّا

أنظُرُ عين سَمائِنا ثكلى....

فمن أدمى جَبين الطلعةِ الغرّا؟!

أوّلُ ليلةٍ رجواها منذُ عامٍ قد مضى

أرجُو دموعي نازِلةً.. إلى رُحب الفضا

و إذا الليلةُ السّوداء قد حلَّت

لم أبكِ قط! وهل هذا هو حُكمُ القضا؟

صيّرتني الأشجانُ إلى شكوى حزين

مفجوعِ قلبٍ لهُ نغماً « الأنين »

يبكي وينحبُ دون ذرف الأدمعِ

جفّت دموعي دون أن أبكي الحُسين..

الليلة الرابعة: ولِآلام السفير دمعت عينُ السماء

ليلةٌ شعثاءُ غبراء جاءت لتزور

والألم يعتصر الأحشاء منها «بالقبور»

بُلَّت من ندى دمعٍ توارى بـ شجى

حتى إذا احمرّت مُقَلٌ فإذا الدمُّ يفور

تبكي ضرغاماً هُماماً، قمريّاً ومُنير

إنّهُ حين تربّى مع شُبّر وشبير

إنّها تبكيهِ عشقاً، من فؤادٍ انطوى

إنّها ترنو لذبحٍ.. إنها تنعى السفير

نشرت ليلاً ظلاماً قد توارى بحياء

مزقت جيباً عفيفاً لا لِسمعة أو رياء

لطمت خداً وصدراً، خمشت خدّ السحاب

ولآلام السفير دمعت عين السماء

الليلة الخامسة: ذاك المنى لو أنّ ذلك يحصل

أذّنت سوحُ المنايا لِ قضا فرضِ الحمام

وانبرت دمعاً لركبٍ هاشميٍّ «السهام »

حتى اذا لاحت نخيلٌ بالبوادي

حولقَ الكونُ فجيعاً لصدى همّ الإمام..

نادت الأصحاب جمعاً لم نرى قبلُ نخيل

في ربوعٍ ميّتة وبها العذبُ قليل..

فأتى الردُّ سريعاً من صدى صوتٍ فجيع

إنها ليست نخيلاً، لكن آذان الخيول

جعجع القوم بنور الله والحق المبين

وامتلت صحراءُ قفرا بردى جيش اللعين

حتى اذا ظميَت نفوسٌ ظالمة من على السرج تميل

ارتوت عذباً معيناً من عُلا عطف الحسين

مثلُ نورِ الشمسِ نوراً غيرَ أنْ لا يأفلُ

كيف بالصدرِ ارتقاهُ؟ غير الردى من يفعلُ؟

ليت صدري دون صدره، والخلائق كلها

ذاك المنى، كلّ المنى لو أنّ ذلك يحصلُ

الليلة السابعة: وهوى طود الصمود «حين عباسٌ هوى»

لهفَ نفسي لـ همامٍ يُخجلُ نور القمر

هاشمياً، علوياً، لم يُرى مثله بشر!

أيُّ قلبٍ لابن كاهل يُطفئُ ضوءَ الفلك؟

ليتَ عيني دون عينه تفقِدُ رؤيا البصر

وكأني بالبتولِ تذرفُ الدمع الهمول

تنزِلُ والعينُ حمرا، لترى جرح النّصول

ثمّ تهوي فوق جسمه تلثِمُ الرأس المُصاب

تشكو للهِ عزيزاً، علّ آلامُه تزول

مذ رأى العباسُ فاطِم تنحبُ هلّت دُموع

من أنا حتى تراني «الزهراءُ مُدماةُ الضلوع»؟

ف انحنت تمسحْ دماهُ والفؤادُ قد تصدّع

والصلاةُ من بُكاها قد هوَت نحوَ الركوع

قمري أنتَ وَليدي مثلما أمّ البنين

أحسن الله عزاها وجزى منها الأنين

كم وكم تدمي عيوناً اشتياقاً للغريب

أنتَ ابني يا حبيبي يا ضيا عين الحُسين

لهفَ نفسي يا بُنيَّ لفؤادٍ إنكوى

من صمودٍ زينبيٍّ يكتمُ جمر الجوى

كيف تصبِرْ عن كفيلٍ قد ربا بين يديها

وهوى طود الصمود حين عباسٌ هوى!

الليلة الثالثة عشر: وحنى فوق الصريع يبكي مرضوضَ الضلوع

بعدَ سلبٍ بعدَ نهبٍ بعدَ ترويع العيال

قد سرى ركبُ الأسارى وبجنب الماء جال

نظرت «طود الرزايا» شبحَ العذبِ يصيح

فانبرت تشكو هواناً أيقظ سُودَ الليال

كم شبابٍ قد قضى لي والعمر قصير

كم عزيزٍ قد اقتيدَ معي كم من صغير

كم بطلٍ أمسى على حرّ الثرى

و أنّى لأخي عباسٍ نظير؟؟

بينما الأحرار في «َبَلا كربٍ» قيام

وهمُ يرقبون الليل لتشييع الإمام

وإذا بـ «العَين» لاهث، يعثرُ بين الخُطى

أسرعوا قد جاء فارس. ميزتُه ضيقُ اللثام

ناظروه والوجه منه، شارقٌ عندَ الطلوع

كعبةٌ جسمُ الحسين.. وهوَ هاوٍ للركوع

قبَّلَ النحرَ ثلاثاً ساجداً فوق الدماء

و حنى فوقَ الصريعِ، يبكي مرضوضَ الضلوع..

#ويبقى_الحسين