البراءة واللعن في زيارة عاشوراء
زيارة عاشوراء من الزيارات المشهورة والمروية عن الإمام الباقر ، وهي من الزيارات التي حصل الوثوق والاطمئنان واليقين بصدورها عن المعصوم. وقد ورد الحث على مداومة زيارة الإمام الحسين بهذه الزيارة ومنها قول الإمام الباقر لعلقمة وهو من رواة زيارة عاشوراء: «وإن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة - أي زيارة عاشوراء - في دارك فافعل... ». وقال الإمام الصادق لصفوان الجمال: «يا صفوان أن حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة - يعني زيارة عاشوراء - من حيث كنت وادع بهذا الدعاء، وسل حاجتك تأتك من الله والله غير مخلف وعده رسوله بمنه والحمد لله رب العالمين».
والقارئ لزيارة عاشوراء يلاحظ بوضوح تأكيدها على «البراءة واللعن» من الظالمين لآل البيت ، فقد تكررت لفظة البراءة بجميع ألفاظها «10 مرات» وكذا اللعن بجميع ألفاظه «23 مرة»، ولا يخفى أن من الأسس العقائدية المهمة «البراءة» ومن أبرز وأصدق مظاهر البراءة «اللعن». يقول العلامة الطهراني الكلانتري في شرح الزيارة: «إن الدين يرتكز على أمرين أساسيين الأول التبري والثاني التولي وإن سلامة الإيمان والحصول على تقوى الله سبحانه وتعالى متوقف على هذين الأمرين أيضاً، التبري من أعداء الحق ثم تولي أصحاب الحق، وبما أن أهل البيت جسدوا الحق بكل صوره ومعانيه، لذا فإن التبري من أعدائهم وموالاتهم هو الإيمان والإسلام الصحيح».
ومن أبرز مصاديق البراءة وسماتها هو اللعن وهو منهج أسسه القرآن الكريم في كثير من الآيات فقد ورد اللعن في قرابة 32آية منها قوله تعالى:﴾أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين﴿وقوله تعالى:﴾أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴿، «وإنما أسس القرآن الكريم هذا المنهج لا من أجل تربية الإنسان على البذاءة وسوء القول، ولا من أجل زرع الحقد والتحامل بين أبناء المجتمع، وإنما الهدف منه تربية الإنسان على صلابة الإيمان والثبات على الحق، ومن أجلى مصاديق الصلابة والثبات مبدأ التبري الذي من أجلى مصاديقه اللعن، فهو تربية روحية للمؤمن على قبول الحق ورفض الباطل».
وهذه المبادئ القرآنية هي التي تؤكد عليها زيارة عاشوراء من البراءة واللعن، وأول موارد البراءة واللعن في زيارة عاشوراء هو: «فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اَسَّسَتْ اَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ اَهْلَ الْبَيْتِ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَاَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالَّتمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ، بَرِئْتُ اِلَى اللهِ وَاِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ اَشْياعِهِمْ وَاَتْباعِهِمْ وَاَوْلِيائِهِم» وجاء في شرحها: «جاءت الجملة لتصب اللعن على قتلة الإمام فلذا اللعن لم يأت اعتباطاً بل جاء نتيجة عظمة الرزية وفداحة الخطب الذي حل بأهل بيت رسول الله ، كما تشير إلى مسألة التبري من أعداء الله عز وجل الذي هو الركن المهم الذي يقف إلى جانب أمر الموالاة والمتابعة».
كما أن من تمام الموالاة لأولياء الله البراءة من أعدائهم، ومن نتائجهما القرب إلى الله وإلى رسوله وأهل بيته، ولا شك أن التبري من قتلة سيد الشهداء والتولي لأوليائه ومحبيه من أفضل الطرق التي تؤدي بالإنسان إلى القرب من الله عز وجل، وقد جاءت هذه المعاني في مقطع الزيارة: « يا اَبا عَبْدِاللهِ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلى اللهِ وَاِلى رَسُولِهِ وَاِلى اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَاِلى فاطِمَةَ وَاِلَى الْحَسَنِ وَاِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ اَسَسَّ اَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ » وهذا ما أكدت عليه الكثير من الروايات منها عن رسول الله في حديث طويل: «يا علي والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية لو أن عبداً عبد الله تعالى ألف عام ما قبل الله ذلك منه إلا بولايتك وولاية الأئمة من ولدك، وإن ولايتك لا تقبل إلا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمة من ولدك». وعن الإمام الصادق : «من ضعف عن نصرتنا أهل البيت، فلعن في خلواته أعدائنا بلغ الله صوته جميع الأملاك من الثرى إلى العرش».
ولأن هذه الزيارة جاءت مخصوصة بيوم عاشوراء وجاء الحث على قراءتها في كل وقت ومكان بينت أهمية متابعة ومشايعة أهل البيت ، وأشارت إلى موضوع التولي والتبري بما في ذلك اللعن بعدة أساليب وبعبارات متعددة، فقد صرحت الزيارة بلعن مجموعة من الأشخاص بالاسم صراحة، وتوارت عن بعض الأسماء بأسلوب الإشارة رعاية لظروف الزمن وحفاظاً على بقاء الزيارة وتمكن الموالين من تداولها دون أن يمسهم سوء أو حرج، فممن صرحت الزيارة بلعنهم: آل زياد، آل مروان، بني أمية، ابن مرجانة، عمر بن سعد، شمر، وأسماء أخرى فراجع الزيارة!، وشمل اللعن كل من كانت له صلة بالظلم والجور يوم عاشوراء وما مهد لذلك قبله وما تبعه وذكرتهم الزيارة بالعبارات التالية: الذين دفعوهم عن مقامهم وأزالوهم عن مراتبهم، الممهدين لقتالهم وأتباعهم وأشياعهم وأوليائهم، ومن أسرج وألجم وتنقب وتهيأ لقتالهم ، والعصابة التي جاهدت الحسين وشايعت وبايعت على قتله. وجاء تحت عنوان البراءة: قتلة أهل البيت وأتباعهم وأشياعهم وأولياءهم، ومن نصب لهم الحرب، ومن أسس الظلم والجور عليهم.
إن زيارة عاشوراء تقدم لنا دستوراً في موضوع البراءة من الظالمين وأتباعهم وكل من يمت للظلم بصلة، فالممهد للظلم ظالم، والراضي بالظلم شريك للظالم، والساكت عن الحق ونصرته معين للظالم، فزيارة عاشوراء وبكل جرأة ووضوح تريد منا أن نسجل موقفاً مضاداً للظلم والطغيان والاستبداد والقهر والتسلط، والسعي لكشف حقيقة الظالمين والمستبدين، تجسيداً للموقف الشرعي والأهداف والمبادئ التي قامت عليها النهضة الحسينية، ولأجل هذه المعاني التي تتضمنها زيارة عاشوراء جاء التأكيد على مداومة زيارة الإمام الحسين بهذه الزيارة، من قريب أو من بعيد، بل في كل يوم ان أمكن كما في وصية الإمام الباقر ، إن المداومة على هذه الزيارة مع الالتفات إلى مضامينها من البراءة واللعن ورفض الظلم والظالم والتبعية له تحيي وتشعل وتلهب في نفس قارئها طلب الثأر للإمام الحسين وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه وتوقظ في النفوس مبادئ ثورته المباركة الرافضة لكل ظالم ومستبد.
كما أن زيارة عاشوراء تريد منا الاستعداد الدائم لظهور القائد المصلح الإمام المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه، الذي يزيل بظهوره كل مظاهر الظلم والاستبداد والجور، ويقتص من كل ظالم ومستبد وجائر، زيارة عاشوراء تؤكد على تهيئة النفس واستعدادها وتهذيبها حتى يظهر ولي الأمر وصاحب الثأر الحسيني، حيث لم تخلوا الزيارة من هذا المعنى فقد ورد في فقراتها: «فَاَسْأَلُ اللهَ الَّذي كْرَمَ مَقامَكَ وَاَكْرَمَني بك اَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ اِمام مَنْصُور مِنْ اَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ» وتؤكد في فقرة أخرى على هذا المعنى: «وَاَسْأَلُهُ اَنْ يُبَلِّغَنِى الْمَقامَ الْمحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ وَاَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثاري مَعَ اِمام هُدىً ظاهِر ناطِق بِالْحَقِّ مِنْكُمْ ».
فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن تولى أهل البيت ومواليهم وممن تبرى من أعدائهم وظالميهم، وان يجعلنا ممن يطلب بثأر الإمام الحسين مع وليه وحجته المهدي ابن الحسن عجل الله فرجه الشريف.