تمام الحج الولاية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في كتابه الكريم: «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» إبراهيم37.
حينما بنى نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام البيت المحرّم دعا بهذا الدعاء كما في الآية الشريفة أن تهوي أفئدة من الناس لذريته، فاستجاب اللَّه دعاءه وأمر الناس بالإتيان إلى الحج من كل فج عميق ليتحببوا إلى ذريته ويعرضوا عليهم نصرتهم وولايتهم ليصير ذلك سببا لنجاتهم ووسيلة إلى رفع درجاتهم، وذلك بعد عمل دورة تنظيفية للجسد والروح من جميع الاوساخ العالقة عليهما، من خلال مجموعة من المناسك التي يؤديها الحاج في هذه الايام الشريفة.
وليس كل الأفئدة قابلة للتشرف بهذا الشرف العظيم وهو أن تهوي قلوبهم للذرية الطاهرة لنبي الله إبراهيم ، وانما بعض الأفئدة كما قال تعالى على لسان النبي ابراهيم : «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» وذلك لمكان «من» التبعيضية هنا.
فهذا البيت الحرام يقصده القاصي والداني ويطوف حول الكعبة الشريفة ملايين الناس، ولكن يا ترى هل كلهم لهم القابلية في الوصول للغاية؟ لنرى ماذا يقول الامام باقر العلم : «عن ابن أذينة عن الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام قال: نظر إلى الناس يطوفون حول الكعبة فقال هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية إنما أمروا أن يطوفوا بها ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ومودتهم ويعرضوا علينا نصرتهم ثم قرأ هذه الآية «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» ».
يوضح الامام الباقر في هذه الرواية وغيرها أن الغاية التامة من تأدية هذه الفريضة العظيمة هي الولاية والمودة وعرض النصرة لهم ، وكل ما لم يخرج من أئمة هذا البيت الطاهر فهو زخرف من القول وحملته أخابث كما يشر الامام ابو جعفر الباقر في هذه الرواية الشريفة: «... عَنْ سَدِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع وهُوَ دَاخِلٌ وأَنَا خَارِجٌ وأَخَذَ بِيَدِي ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ فَقَالَ يَا سَدِيرُ إِنَّمَا أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَأْتُوا هَذِه الأَحْجَارَ فَيَطُوفُوا بِهَا ثُمَّ يَأْتُونَا فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ لَنَا وهُوَ قَوْلُ اللَّه * «وإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» * ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى صَدْرِه إِلَى وَلَايَتِنَا ثُمَّ قَالَ يَا سَدِيرُ فَأُرِيكَ الصَّادِّينَ عَنْ دِينِ اللَّه ثُمَّ نَظَرَ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ وسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وهُمْ حَلَقٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ هَؤُلَاءِ الصَّادُّونَ عَنْ دِينِ اللَّه بِلَا هُدًى مِنَ اللَّه ولَا كِتَابٍ مُبِينٍ إِنَّ هَؤُلَاءِ الأَخَابِثَ لَوْ جَلَسُوا فِي بُيُوتِهِمْ فَجَالَ النَّاسُ فَلَمْ يَجِدُوا أَحَداً يُخْبِرُهُمْ عَنِ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى وعَنْ رَسُولِه ص حَتَّى يَأْتُونَا فَنُخْبِرَهُمْ عَنِ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى وعَنْ رَسُولِه ص» الكافي الشريف 1 / 393.
هناك مجموعة من الروايات الشريفة توضح هذه الحقيقة ان من تمام الحج هو الارتباط بهذا الفيض العظيم والمنبع الصافي لأهل البيت ، والارتباط بهم والاخذ منهم هو السبيل لقبول الاعمال.
* ربما استشهد ببعض الروايات بعض العلماء خصوصا من قدماء الاخباريين رضوان الله عليهم كالحر العاملي في وسائله على تأكد استحباب زيارة النبي والائمة بعد الحج، وان كان كما يقول الاصوليون انها أعم من تقديم الحج على الزيارة، نعم بعض الروايات صريحة في تقديم الحج على الزيارة كما في هذه الرواية عن الامام الباقر : «إبدؤوا بمكة واختموا بنا» وعلى كل حال فلسنا في صدد مناقشة هذا الامر فهو موكول لمحله، والامر سهل، بقدر ما يهمنا وهو وجود الربط بين قبول الاعمال والحج بالولاية لهم والارتباط بسفن النجاة، فإن الزيارة لهم سواء قبل الحج أو بعده وإعلامهم بالولاية والمودة وعرض النصرة لهم هي من تمام الحج وأداء هذه الفريضة سواء كانوا أحياءً أم في اضرحتهم الشريفة فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فالإتيان لهم في حياتهم واضح وبعد مماتهم كذلك، ونحن في عصرنا لنا إمام هو صاحب العصر والزمان روحي لتراب مقدمه الفداء حي يرزق محجوب عنا بسبب اعمالنا، وأقصى ما يرتجي الحاج وهو يؤدي المناسك أن تناله نظرة منه عجل الله فرجه أو يكحل ناظريه بنظرة له، قال الامام الباقر : «تمام الحجّ لقاء الإمام» ولقاء الامام بزيارته حياً أم ميتاً فإن النبي قال للحسين عليه السّلام: «من زارني حيّا أو ميّتا، أو زار أباك، أو زار أخاك، أو زارك، كان حقّا عليّ أن أزوره يوم القيامة، وأخلَّصه من ذنوبه».
وفي الرواية عنْ ذَرِيحٍ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ: «قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه ع إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي فِي كِتَابِه بِأَمْرٍ فَأُحِبُّ أَنْ أَعْمَلَه قَالَ ومَا ذَاكَ قُلْتُ قَوْلُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: * «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ولْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» * قَالَ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ لِقَاءُ الإِمَامِ ولْيُوفُوا نُذُورَهُمْ تِلْكَ الْمَنَاسِكُ قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ سِنَانٍ فَأَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَوْلُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: * «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ولْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» * قَالَ أَخْذُ الشَّارِبِ وقَصُّ الأَظْفَارِ ومَا أَشْبَه ذَلِكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ ذَرِيحَ الْمُحَارِبِيِّ حَدَّثَنِي عَنْكَ بِأَنَّكَ قُلْتَ لَه: * «لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» * لِقَاءُ الإِمَامِ: * «ولْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» * تِلْكَ الْمَنَاسِكُ فَقَالَ صَدَقَ ذَرِيحٌ وصَدَقْتَ إِنَّ لِلْقُرْآنِ ظَاهِراً وبَاطِناً ومَنْ يَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُ ذَرِيحٌ» وقد بيّن هذا الخبر المحدث الفيض الكاشاني قدس سره بهذا: «التفث محركة في المناسك الشعث وإذهابه وإذهاب مطلق الوسخ وما كان من نحو قص الأظفار والشارب وحلق العانة وغير ذلك وتأويل قضاء التفث لقاء الإمام كما ورد في حديث ذريح عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام وسيأتي ذكره في أبواب الزيارات من كتاب الحج إن شاء اللَّه وجهة الاشتراك بين التفسير والتأويل التطهير فإن أحدهما تطهير للبدن عن الأوساخ الظاهرة وما يجري مجراها والآخر تطهير للقلب من الأوساخ الباطنة التي هي الجهل والضلال والعمى» كتاب الوافي 2 / 116.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا حج بيته الحرام في عامنا هذا وفي كل عام، ويرينا إمامنا صاحب العصر والزمان وهو راضٍ عنا، إنه سميع مجيب.