عبقرية الامام محمد الجواد (ع)

هل صغر العمر أو كبره هو الحكم والفيصل في اعطاء المرء حقه؟ وماهي الضابطة لرسم ملامح أي شخصية هل هي بعدد السنين التي يحياها ذلك الإنسان؟ أم بعدد التجارب الناجحة والفاشلة في حياة ذلك الانسان؟ أم بعدد المؤلفات والتراث الفكري الذي خلفه؟ سأل البعض الإمام الجواد ”“ فقال له: "إنهم يقولون في حداثة سنك؟

فقال: إن الله تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان، وهو صبي يرعى الغنم الخ.. "

"وقال له علي بن حسان: ياسيدي، إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك؟!

فقال: وما ينكرون من ذلك قول الله عز وجل؟!.. لقد قال الله عز وجل لنبيه : «قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني».. فوالله، مااتبعه إلا علي، وله تسع سنين. وأنا ابن تسع سنين" من كتاب الحياة السياسية للإمام الجواد للسيد جعفر العاملي

ماذا يعني أن يناط بشخص لم يبلغ عمره ثمان أو تسع سنين قيادة أمة. نحن نعتقد أن الانبياء والاوصياء والإئمة لايخضعون لمناهج يقاس عليها ضابطة النجاح والفشل كما أن تعلمهم ليس إكتسابي أي من وضع البشر ولا تجاربهم الشخصية والاجتماعية جاءت نتيجة تراكمات أفرزتها عوامل خبرات الحياة، في تقديري أن البشرية تحتاج في كل عصر إلى النموذج الصافي المكتمل في جميع نواحيه النفسية والخلقية والعلمية ليكون مربيا ومعلما للناس ولكي لايحتج الآخرين عليه أنه تلقى التربية والعلم منهم وحتى لايكون لأحد فضل عليه ولذلك نرى أن المخالفين أرادوا أن ينالوا من الامامة من خلال النيل من شخصية النبي محمد فهم عصموه في التبليغ وفيما عدا ذلك فهو شخصية صاغتها التجارب البشرية من اخفاقات ونجاحات

لقد اوصل لنا الامام الجواد التشيع واقنع اتباع مدرسة أهل البيت بإمامته وذلك لإمتلاكه للحجة الدامغة وهو لم يبلغ السنه العاشرة عبر إجابته على مسائل فقهية وعقدية معقدة ومن خلال كراماته وسيرته وتصرفاته مع حكام عصره، ولكن ماهو الحدث الأبرز الذي ميز الامام الجواد عن غيره من الإئمة وكيف أعطى الشرعية للأئمة من بعده؟.

أعتقد في نظري القاصر ما حازه الامام الجواد من أخلاق وعلم إذ أن الأخلاق والعلم هما مفتاح شخصية أي عظيم وعليه فقد أمتلك الامام الجواد هذان العاملان وقبل ذا وذاك امتلك القلوب قبل العقول فبعلمه كشف ضحالة فكر مناوئيه وبمعارفه ثبت أركان مدرسة التشيع وبث الطمانيتة في اتباع هذه المدرسة بل زادهم يقنا وإيمانا أن مذهبهم هو مذهب الحق

لذلك لاتجد في شخصية الامام الجواد أي نقيصة بل الذين أرادوا أن يهمزوه أو يلمزوه أتوا في ما بعد صاغرين معترفين بجلالة قدره وعلو شأنه وعظمة شخصيته وغزارة علمه وحسن خلقه.

إن التسييل الفكري والتدفق المعرفي الذي كان يملكه الإمام حصن الامة من الانزلاق وحماها من الانسياق خلف علماء السوء المتزلفين للسلطان إذ أراد المأمون العباسي أن يهين الامامة من خلال تصوره بأن صغر سن الامام لن يمكنه من الاجابة على اسئلة علماء البلاط

وبالتالي فقد خابت تلك المحاولات البائسة اليائسة والتي خلقت رصيدا قويا للإمام وأعادت الثقة للقواعد الشعبية للإمام وللشيعة بقوة مذهبهم ومتانة عقائدهم وبالنتيجة فكل محاولات الدولة العباسية باءت بالفشل بخطف التشيع والفكر الشيعي إذ فوت الإمام الفرصة على خصومه بالكيد للمذهب أو توهينه أو تضعيفه مما أجبر المأمون وحاشيته بالتسليم بعلم الإمام وأنه غير مكتسب بل من الله.

إن قسما من الحكام وعلى مدى التاريخ الانساني عندما يسيطرون على مقاليد الحكم يسخرون كل مقدرات الدولة لخدمة مصالحهم وخاصة سلاح الاعلام باختلاف وسائله وتكتيكاته وهم بارعون في إستمالة عامة الناس وذلك بإلبا س الحق بالباطل يرمزون من لايستحق الترميز ويرفعون من لايستحق المجد والرفعة يلعبون على وتر الطائفية والمذهبية والقومية يحاكمون الناس على نياتهم وأفكارهم تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب ونجزم ان سلاح الإعلام هو أمضى سلاح ومنه تتفرع باقي الأسلحة إذ به يحق الحق ويبطل الباطل أيضا به يقلب الحق باطلا والباطل حقا وبه تنصر الظالم أو تنتصر للمظلوم وبه ترفع الوضيع وتنزل الشريف وبالعكس.

فلو كانت وسائط الاتصال هذه من إنترنت وفيس بوك وتويتر ويوتيوب إلخ متاحة في عهد المأمون العباسي فماذا كان يفعل بها وهو المشهور عنه إهتمامه بالعلم والعلماء والفلاسفة وأصحاب الكلام لتلاعب بهذه الوسائط وسخرها في تعزيز ملكه وقهر البلاد والعباد بها هذا من باب التجاوز وإلا فهو فعل الفظائع ولم يوفر أية وسيلة إلا وظفها واستثمرها في إقصاء خصومه والتنكيل بهم وسخر كل موارد الدولة في خدمة شهواته وملذاته وتثبيت ملكه.

في المقابل فلو أمتلك الإمام الجواد شبكات تلك التواصل فماذا سيحصل في العالم لأزدهرت البشرية وعم الخير وأمن الناس على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم يقول السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه الحياة السياسية للإمام الجواد «أن الإمام ”“ قد قام بأعظم المهمات وأخطرها.. ولو أنه لم يقم طول حياته الشريفة بأي نشاط آخر سوى ماذكرناه من تثبيت دعائم الإمامة، وحفظ خط الوصاية والزعامة في أهل البيت عليهم التحية والسلام.. لكفاه ذلك رفعة وفخرا، وعظمة ومجدا، على مدى الدهور والعصور.