في ضيافة المدير المأزوم


 

 

أعتقد أنه في معظم الأحيان ترفض الشخصية المأزومة رؤية أية مزايا خارج الإطار الذي تعيش فيه، وترفض الإنفتاح بدون شروط مسبقة على الكلام الذي لا يتطابق مع قوالبها الفكريةالجامدة، أو التي تم تجميدها إذا ما أردنا أن نتوخى أخذ الحيطة والحذر في عدم التجني عليها، وتشعر بالأمان فقط مع ما اعتادته، أو ما عودوها عليه، وقد يكون ما عودوها عليه هذا متطلباً إدارياً وتنظيمياً منطقياً ومقبولاً في سياق المهام والأهداف الوظيفية.

ولكنها بفكرها المأزوم تذهب لما هو أبعد من ذلك بكثير في التشدُّد والإنغلاق على قوالبها الفكرية، والعملية، وتحسبها وأنت تُراقب تصرفاتها المرتبكة في دائرة المسئولية  كمن ينظر طوال الوقت لمرآته الشخصية بقلق وهو يتفقد تفاصيل مظهره ليطمئن على أناقته المفقودة أصلاً .

الشخصية المأزومة هي التي لا تعرف ألف باء النجاح في التفكير الإيجابي، وهو رفضْ أن يكون الناس نسخة مُكربنة من بعضهم البعض، وإن من شروط تحقيق الإبداع هو مخالفة القواعد المألوفة، لذا فهي تصاب بالتشنّج عند سماع ما يخالفها، وتعتبره طعنا في كرامتها وفي خبراتها، بل وفي عقلها وكيانها كله، وتهديداً لمكانتها الإدارية، لذلك فهي تسارع لإستنفار جميع الطاقات لإستبعاد كل من لا يتوافق مع مسارها الجامد، ولا يتواءم مع أُطرها الفكرية الضيقة المضغوطة في علبة من السردين.

هي لا تعي أهمية أن يكون " رئيس الفريق " هادئاً، متماسكاً، مرحاً، ودوداً، حازماً، مُطمئناً، من أجل إدارة أعضاء الفريق بفاعليّة حتى في أحلك الظروف، وهي لا تدرك كذلك أو لا تريد أن تدرك بأنّ الفريق برمّته سيكون في ورطة، وبعثرة تامة، عندما يُلازمها التوتر السلبي أينما رحلّت، وحيثما حلّت، لأنهم يتأثرون يقيناً بنمطها الإداري، وإسلوبها الإشرافي شاءوا ذلك أم أبوا، تماماً كما يحدث مع قائد الأوركسترا  " المايسترو " في الفرقة الموسيقية عندما يعجز عن قيادة أفراده، حتماً سيكون هناك تنافرٌ في أداء الأدوار، يصاحبه نشازٌ واضح، صارخ، يؤدي إلى تذمر الحاضرين بل وإنصرافهم، هذا بالرغم من استمرار أناقة مظهر الفريق في المشهد العام.   

إنّ من الأمور التي تُساهم في تعميق مأساة " المدير المأزوم " هي اعتماده على حدسه الشخصي وظنونه المُرهقة، واستنتاجه المُبالغ فيه،  وخبرته السلبية المتراكمة، وخوفه من فقد مكانته، وذلك في تعامله مع الإدارة العليا، أكثر من اعتماده على منظومة واضحة ومُتفق عليها من الأطر الفكرية، والقواعد الإجرائية، وهذا بالتأكيد يحوّلهُ وفريقه الذي يقوده إلى حالة من التشابك والإرتباك تتسبب في تذمر أعضاء الفريق، وشعورهم بالضيق واليأس.

ومما يزيد الطّين بلّة حرمانهم - ربما - من البوح برأيهم، أو امتناعهم عن الإدلاء بوجهة نظرهم بعد كل نشاط يتم إنجازه، لأنهم " يؤمنون سراً " بأن لا أحد ينصت إليهم، وإنهم مُجرّد أدوات تنفيذية تعمل وتتحرك في ضوء حيثيات إدارته المأزومة، وإنه لا توجد لديهم جلسات عصفٍ ذهني قبل، وبعد، كل مهمة يحين موعد تنفيذها في سياق الجدول الزمني للأنشطة المنوطة بهم، بل تسير الأمور كما هو مُعتاد !!     

أليس الأجدر بهذا " المدير المأزوم " أن يبادر إلى القيام بمراجعة شاملة، وموضوعية لنمطه الإداري، وإسلوب إدارته للفريق؟ ليس من أجل تحسين صورته الإدارية، ولملمة شمل أعضاء فريقه المتناثر فحسب، بل من أجل صيانة وسلامة صحته النفسيّة التي هي أساس النجاح والتميز لأي شخصية سويّة، أم أنه لا يرى ذاته المخلصة إلاّ وهي تتلظى في حِمَمِ البراكين ؟     

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية