وداعاً لطوفان الماضي

 

 

 

لو كان الله سبحانهُ وتعالى يريدُ لنا أن نعيش في الماضي لجعل عيوننا خلف رؤوسنا وليس في مقدمة وجوهنا، ولكنهُ جلّت قدرته أراد لنا أن نتطلع للمستقبل متسلحين، بيقين الحاضر، وروح التفاؤل، وخبرة الماضي، في سبيل التعامل مع الأحداث والمستجدات التي تجتاح حياتنا من هنا أو هناك.

ويعرف من يشعرون بالسلام الداخلي، والسعادة انه بصرف النظر عمّا حدث في الماضي أو سيحدث في المستقبل ، فإن " اللحظة الحاضرة " هي الوقت الوحيد الذي يمكن أن تجد فيه السعادة - قد يكونُ الغيبُ حلواً ... إنما الحاضر أحلى - كما أنّ : عصفور في اليد خير من عشرة فوق الشجرة، وهذا لا يعني عدم تأثرك بالماضي، وتعلمك منه، أو أن تتجاهل التخطيط للمستقبل .

عليك أن تدرك إن أكثر طاقة لها فاعلية، وقوة إيجابية هي طاقة اليوم، أي طاقة اللحظة الحاضرة، حيث لا توجد وسيلة نقل مهما بلغت دقة تقنياتها أن تعمل بوقود الماضي الذي قد تم حرقه واستهلاكه, وفي العادة يرجع شعورك بالضيق إلى شيء مرَّ وانقضى وأصبح ماضياَ، أو أمرٌ لم يخرج بعد إلى الوجود، وهذا يؤكد أن الإنغماس في الماضي يتسبب في الشعور بالحزن والألم، كما أن الإنشغال بالمستقبل الذي هو في رحم الغيب ينتج عنه تعرضك للوساوس والقلق " حمانا الله وإياكم " .   

ربما تكون قد تعرّضت للخديعة، أو الخيانة، أو عدم التقدير، أو الإستغلال الغير شرعي، أو لخسارة مادية أو معنوية فادحة ، أو أنه لم يحالفك التوفيق في تحقيق أهدافك التي كنت ترنو إليها، أو أنك أُصبت بسهمٍ مسموم ممن كنت تحيطهم بالمودة والرعاية، أو طالك الإجحاف والتنكر للجميل ممن أسديت إليه معروفاً وفضّلته على نفسك في يومً ما، وغيرها من منغصات الحياة التي لن تنتهي مادام فيك عرقٌ ينبض.

أسألك : هل أنت ستبحث عن الإنتقام ممن تسبب لك في كل ذلك والكيل له الصاع بصاعين؟ إذا كان جوابك بـ " نعم " أقول لك : إنك بهذه المشاعر المهترئة، والمجنونة، والمنفلتة ستمزِّق قلبك، وستحطِّم ذاتك، وستفقد أهم مقومات الحياة ألا وهو الشعور بالسكينة والإستقرار، ولا طريق لتحقيق السلام مع نفسك  سوى التسامح، والدفع بالّتي هي أحسن.  أرجو أن تتذكر " يا عزيزي " أن المعاناة في النهاية هي مجرد اختبار آخر، وعندما تعاود الذكريات المؤلمة إجتياح مشاعرك لا تحاربها، بل اسمح لها أن تتطفل عليك دون أن تندم عليها. دع فرصة للذكريات أو المشاعر القديمة كي تتخذ طريقا إليك دون أن تهزمك أو تُفسِد عليك لحظتك الراهنة التي هي في حوزتك.  

إنك عندما تعاني من وجعٍ في أحد أسنانك، ويقرّر الطبيب المعالج خلع ذلك السن المعطوب الذي فقد وظيفته، وبات يشكل عبئاً على صحتك، فإنّك ستشعر بالإرتياح وتتنفس الصعداء بعدما تخلّصت من تلك المعاناة الأليمة، بحيث أنك عندما تتذكر الحدث لاحقاً لا تشعر بالألم الذي أقضّ مضجعك، إنما تمر ذكراه مرور الكرام وأنت في قمّة السعادة، وتتحدثُ عنه للآخرين وأنت في بشاشة وسرور.

إن الحزن على فرصة ضائعة، أو حب مُنتهك , أو توبيخ مُذلْ , أو خيانة ليست متوقعة , أو جرح عميق في نفسك، حتماً سيترك بك ألما، وربما يعود إليك ذلك الألم بأشكالٍ متعددة, يحبس أنفاسك, ويمنحك وقفة مع ذاتك. أرجوك لا تتذمر قم بقياس عمق ذلك الألم , ولكن من " النقطة الآمنة " التي يمنحها لك الزمن، وعليك أن تعرف أن استياءك من هذا الألم سوف يهدأ، لأنه يوما ما سيصبح ذكرى ماضية كحادثة خلع السن الذي لطالما منحته عنايتك صباح مساء وغدر بكً في وضح النهار، ومع هذا فأنت ما زلت بخير. 

 

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية