سياسة تكميم الأفواه 2

 


الحلقة الثانية:

نتحدث في هذه الاسطر عن بعض الأدوات التي تستخدم في تكميم الأفواه .

يعمد بعض أصحاب المشاريع ـ التي تسير عكس التيار السائد في المجتمع ذات الأبعاد المصلحية ـ للسعي الدؤوب في تكميم أفواه وإسكات من يخالفهم وينتقدهم ويبيّن حقيقتهم أمام الناس ، لأساليب وأدوات لا تخلو من الخبث والحقد الدفين الذي يحملونه ، ربما نابع من عقدة حقارة لازمت سلوكياتهم ، من تلك الأساليب الواضحة والتي تبدو من أولوياتهم هي : التهديد.

والتهديد قد يكون مباشراً وبأساليب قذرة إما باستهداف الشخص نفسه أو بإلصاق بعض التهم وتسقيطه بها في وسط المجتمع ، وقد يكون مبطناً بإرسال رسائل له عبر بعض المقربين منه وأصدقائه لإسكاته ، أو تهديده بإيصال بعض أرائه للسلطة الحاكمة بما تكون تلك الآراء مخالفة لنفس السلطة . وبذلك يكونون قد أرضوا نفسياتهم الخبيثة والمريضة ، التي هي في الواقع لا تتحمل الرأي المخالف لهم وإن رأيتهم في خطاباتهم وكتاباتهم يتراءون ويتظاهرون أمام الأخرين بحرية الرأي وإطلاق عنان التفكير بكل حرية ، ولكن سرعان ما يتناسون هذا حينما يجدون قوياً يواجههم فكرياً ، وهذا ديدن كل مفلس فكرياً وثقافياً.

أذكر لكم قصة حدثت لي شخصيا قبل قرابة عقد من الزمن مع أحد أصحاب المصالح والمشاريع ذات بعد معين ... قد أُرسلت رسالة من بعض اتباعه على بريدي الإلكتروني مفادها أن هذا الشخص اجريت له مقابلة في مجلة ...

 وسألوه عن سب ولعن بعض المنحرفين عن منهج أهل البت عليهم السلام بل هم من النواصب ... فأخذ يداهن ويراوغ ويلتف ويحابي على حساب مرتكزات المذهب ، وقال إنني أرى حرمة هذا ...

وذكر أقوالا نسبها لبعض علماء المذهب وجدت فيها عدم المصداقية والتلفيق والكذب في نسبة بعض الاقوال ، كل ذلك إرضاء لهؤلاء النواصب وإن كان على حساب تقديم التنازلات عن المشهور عند علماء المذهب الحق ، وأنا أقرأ الرسالة خطر في ذهني أن أكتب رداً على بعض الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها ، فأخذت على سبيل السرعة أكتب أسطراً في رده ، وأرسلتها لنفس المصدر الذي أرسلها لي ، وبعد ساعات قليلة وإذا بالجواب يأتني على البريد الإلكتروني مفاده ، نشكركم على غيرتكم على المذهب وردكم في طريقه لنفس المجلة وباسمكم ، ولعل هذا هو نفس النص الذي أرسلوه لي لازال عالقا في ذاكرتي ، وقد فهمت من هذا أنهم يهددوني بعصى السلطة التي تمتلكها هذه المجلة التابعة لهذه الجهة  في نفس الدولة ، وفوراً رددت على رسالتهم هذه بقولي أنا لا أخاف مما أعتقد وأبوح به ...

فهذه المداهنة والالتفاف على الحقائق قد نهى عنها الله تعالى في محكم كتابه العزيز مخاطباً نبي الرحمة صلى الله عليه وآله بقوله عزّ من قائل :  ﴿ فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِين وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ القلم 7 ـ 8 .

وقد جاء في تفسير القمي قدس سره الشريف ج2 ص380 : وقوله : ﴿ فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِين قال في علي ( ع ) ﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ  أي أحبوا ان تغش في علي فيغشون معك ﴿  وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّف مَّهِين قال الحلاف فلان حلف لرسول الله صلى الله عليه وآله انه لا ينكث عهدا ﴿ هَمَّاز مَّشَّآء بِنَمِيم قال كان ينم على رسول الله صلى الله عليه وآله وينم بين أصحابه قوله ﴿  مَّنَّاع لّلْخَيْرِ مُعْتَد أَثِيم قال : الخير أمير المؤمنين ( ع ) ، معتد أي اعتدى عليه. انتهى كلامه رفع مقامه.


وأما على مستوى الأنظمة (الدكتاتورية) السائدة في أغلب بقاع الأرض فهذا أجلى وأوضح من الشمس في رابعة النهار، وربما لا تحتاج مثل هذه الأنظمة لكثير من المقدمات في تسقيط أو اتهام أو تقييد يد من يخالفها وزجه وراء القضبان الحديدية .

طالب علم