و ما زال للعجل خوار ! - الجزء الثاني

 

 

إن العقائد المتينة التي علمنا إياها أهل البيت - عليهم السلام - وضحَّوا بأنفسهم لإيصالها لنا صافية على هذا النحو ، وحافظ عليها علمائنا ومراجعنا الأعلام ، و سعى كذلك الكثير من المؤمنين للحفاظ عليها والدفاع عنها، لم تسلم من هؤلاء السياسيين و أصحاب المطامع ! ، فهذه العقائد شكلت و لا تزال تُشكل أكبر عائق لهم ، و تَحُول دونهم ودون مصالحهم وأهدافهم ، و متى ما إصطدم مشروعهم بالحاجز العقائدي فإنهم سيلجؤن بلا شك لتجاوز هذا الحاجز حتى لو لزم ذلك توهينه بخلخلته أو حتى هدمه ! ، فلهذا لم تسلم عقيدتنا من نهج أولئك !، فهم خلال عقدين عمِلوا وفق الأجندة التي وضعوها لخدمة مشروعهم والشواهد على ذلك ما يلي :

كان قرارهم الأول كما ذكرت في الجزء الأول هو الإنفكاك عن مظلة المرجعية وإلتزاماتها ليتحرروا بذلك سياسياً أولاً ، ثم دينياً من أي إلتزام يربطهم بها ، فتخلوا عن نظرية المجدد الشيرازي "شورى الفقهاء" وراحوا يطبلون لنظرية الشيخ شمس الدين "ولاية الامة على نفسها" التي فطن لمكرهم البعض فتركوهم يغردون لوحدهم ، و للأسف إنفردوا بالساحة ، فنجحوا إبتداءاً بسبب فراغها و إنْخدع الكثير بهم وأتبعوهم ، إلا من رحم ربي، و لكن بعد أن وصلوا لنقطة لم يستطيعوا من خلالها التقدم و إرضاء الطرف المقابل من سلفيين متشددين ، ارتأو بأن الوقت قد حان لإقحام العقيدة و توظيفها لخدمة مشروعهم السياسي و القيام بدورٍ أسموه "تنويري" لتصحيح ما أسموه بـ"المفاهيم البالية" و "المعتقدات الخرافية " لأنها تصطدم بمشروعهم و يشعرون بالإحراج كلما أُخرجت لهم في كل مناسبة، فبدأ العمل بذلك على جميع الأصعدة ، من عقد للندوات و إقامة المحاضرات وكذلك تأليف الكتب و كتابة المقالات ! ، وكان فحوى مايدعون إليه ليس فقط مغايراً لمرجعية الشيرازي بشكل خاص ، بل للنهج السائد لمراجعنا الأعلام ! ، و كان السبيل لذلك هو القيام بهذا الفعل على مرحلتين ، والثانية كانت ردة فعل وتخبط على نتائج المرحلة الأولى ! .

المرحلة الأولى :

عكف القوم أولاً على ضرب فرع من فروع الدين وهو التبري من أعداء أهل البيت و ضرب الشعائر الحسينية المقدسة و تجريحها كالتطبير و غيره ، ثم إطلاق العنان للنفس بالدعوة إلى قيام حركة تصحيحية وحملة تنقيحية تحت مسمى" تنقية التراث الشيعي " ..

ومن شواهد هذه الحملة ما قام به هذا التيار منذ بداية هذه العام ، فحاربوا التطبير أولاً ، ثم عرجوا على منهج التبري من أعداء أهل البيت - عليهم السلام - و وصفوا من ينتهجه وينادي به بالخرافي ، ثم عقدوا الندوات وكان آخرها إستضافة المشككين بحديث الكساء الشريف وفضله في بيت أحدهم ، ثم التطبيل بما قاله هذا المشكك من باب "تنقيح التراث" وكأنهم يضعون في أوليتهم عقائد الناس ويخافون عليهم من الإنحراف !! .

ومن هنا بدء إنتحارهم ، فهم فشلوا بكل جدارة بإختراق المجتمع المحصّن ، و هنا بدء سقوطهم و بدء الناس بالإنفكاك من حولهم أكثر فأكثر ، فمجتمعنا بطبيعته متدين و متمسك بالعقائد و الثوابت وتحركهم هذا معاكس للتيار السائد أولاً ، و ثانياً إنه لم يعد تنطلي عليه خدعهم وتيقن الأعم الأغلب منهم بإفلاسهم ، وذلك لوجود المرجعية الرشيدة التي لا يزال الناس يرجعون إليها في أمور دينهم ودنياهم. والتي حذرت بدورها دائماً من أمثالهم من عمائم و مثقفين ممن فكرهم وقلبهم متوجه للدنيا والذين يستغلون الدين لخدمة مصالحهم فتراهم يتخبطون يميناً ويساراً لخدمة مشروعهم .

ففي كلمة للإمام الشيرازي - قُدس سره - في كتابه الفقه السياسي قال " السياسي الذي يريد تزييف الدين ، معناه انه يقاوم التيار ، وسرعان مايلفظه الاجتماع ( المجتمع ) ، وان تمكن أن يخدعهم أو يسيطر عليهم بالقوة لبرهة من الزمان .

في الجزء القادم سأتناول إن شاء الله ماقام به هذا التيار بعد ردة الفعل التي واجههم المجتمع بها و كذلك ردة فعلهم بعد الدور المرجعي الواضح في التحذير من أمثالهم و أتباعهم مما أدى إلى تعرضهم و هجومهم بشكل فاضح على المرجعية و رجالاتها !