ولاية الفقيه ... بين النظرية و التطبيق

 

 

تأتي الحاجة للديمقراطية كما وصفها جان جاك روسو كـ " وسيلة " أفضل من غيرها لتسيير دفة الحكم والعيش بسلام ضمن حدود معقولة، الغاية هي في حياة وكرامة الإنسان وحرياته. على هذا فإن الديمقراطية كشكل حكم ليست بذات أهمية إذا لم يجري تحويلها إلى حالة حياتية وثقافة إنسانية يتم فيها غرس قيم حقوق الإنسان وعلى رأسها الشعور بالمواطنة وما يحمله مفهوم المواطن من حقوق أساسية: مدنية واقتصادية وثقافية. وإن قيم حقوق الإنسان ليست مجرد حملة تبشيرية تقوم بها منظمات حقوقية، إنما هي جزء من شخصية الفرد أي هي حالة ثقافية تظهر في تفكيره وتعامله اليومي. لهذا تحمل هذه الأنظمة التي تتبنى الديمقراطية و حقوق الإنسان مسؤولية بث هذه القيم عبر التعليم و الإعلام و أن تتبناها كحالات ممارسة وثقافة اجتماعية فهي الأرضية الحقيقية للديمقراطية..التي تشكل التعددية السياسية عمادا لها.

و من نظريات الحكم التي بنيت هيكليتها لهدف تخليص الناس من العبودية و غرس قيم حقوق الإنسان هي نظرية (ولاية الفقيه) و التي من خلال بحثي وجدت أنها حظيت بكم هائل من النقد وفق خلفية التطبيق التي قد يختلف الكثير حولها حتى من داخل البيت المنظر للنظرية. و رغم أنه لايوجد نظرية تخلي من عيوب رغم عظمتها وانسانيتها التي أسست لأجلها؛ لكن هذه العيوب لا تستدعي نسف النظرية بأكملها بل تدعوا لنقدها و من ثم تحسينها. تطبيق النظرية الإسلامية في بلد واحد محاط بدول راسمالية في العالم هو ايضا من الامور التي اضعفت موقف هذه الدولة حيث ادخلت في في اتون منافسة شرسة وحرب باردة استهلكت كل مواردها وهذا كان بناءا على خطة مبرمجة وضعها اعلام الراسمالية منذ نهاية حرب الخليج الاولى و فشل إنهاء النظام الإسلامي آنذاك و الذي قادها الرئيس العراقي الهالك صدام حسين .

و من خلال هذه المقالة أنا ادعوا لإعادة قراءة نظرية ولاية الفقيه بعيدا عن صورة خلل التطبيق أسوة بباقي النظريات السياسية و الاقتصادية كالنظرية الإشتراكية مثلا لا حصرا.

ولاية الفقيه[1] ... الحل الإسلامي:

ولاية الفقيه هي النظرية الإسلامية الحديثة و المعاصرة للحكم و هي ترى أن الحكم لله تعالى، ودور الولي هو أنه يمثل هذا الحكم الإلهي، يعني دوره أن يحكم بهذا الحكم الإلهي لا أنه يحكم من عند نفسه، وبذلك تختلف نظرية ولاية الفقيه عن النظرية الديكتاتورية، صحيح إنه فقيه وهو الحاكم الأول والمطلق، ولكنه يحكم بحكم الله تعالى لا برأيه وهواه وميوله ورغباته، أو بـإدراكاته واجتهاداته للمصالح، وإنما هو مقيد بالمصالح التي ترتبط بمن يتولى شؤونهم وأمورهم.

و رأى قسم من المسلمين الشيعة بأن القيادة الإسلامية المتمثلة بالفقيه الرباني هي المؤهلة و القادر الوحيد على حفظ الحريات للناس، و حَصَّرُوها في قيادة الفقيه العادل الجامع للشرائط، اعتمادا على الصفة الاعتبارية التي أضيفت له من قبل الدين وضمن الحدود التي رسمتها الشريعة، شريطة أن يكون الرئيس تحت إمرة الدين، لا أن يكون الدين مطية له ولمصالحه، مستندين لعدة روايات في ذلك منها عن الإمام الصادق (عليه السلام):  ينظر من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا رادّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله[2].

 و من الطبيعي أن يكون تطبيق الأحكام الإسلامية ناقصا من دون تحكيم حدود الله في العبادات والمعاملات والقصاص والديات، وهذا لا يتحقق إلا بعد إقامة الدولة الإسلامية بقيادة الفقيه العادل يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): (الدين أس والسلطان حارس، فمالا أس له فمهدوم، ومالا حارس له فضائع)، و يرى أن تطبيق ذلك يكون من قبل الفقيه الجامع للشرائط الذي ذكرت صفاته في حديث الإمام العسكري(عليه السلام): فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه[3]، و منح الإمام المهدي سلام الله عليه الولاية و حقّ الحاكمية لجميع المجتهدين والمراجع الجامعين لشرائط التقليد ككلّ وخرج بذلك توقيعه الشريف ليعطيهم هذه الولاية: «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله»[4] .

و يُرى أن التفاضل في انتخاب الفقيه في الإسلام ليس قائما على أساس النوع والجنس البشري، وإنما يكون قائما على أساس التقوى والعدالة والعلم والعمل الصالح، ومن هذا المنطلق، فإن مقياس المرجعية العليا للشيعة هو مقياس إلهي-معنوي وليس مقياسا ماديا-قوميا. وان المرجعية لا يتبوؤها إلا من تجسدت فيه شروط مبينة في كتب الأحاديث والسنة أهمها الزهد والتقوى والعدالة والعلمية وطهارة المولد، والإعراض عن الدنيا، وصيانة النفس عن الهوى، وإطاعة المولى.

علاوة على ما ذكر إن الولاة الفقهاء بما أنهم علماء أتقياء نجباء، وبما أنهم منتخبون أما من قبل الشعب مباشرة أو من قبل مجلس الحل والعقد، فإنهم متفقون فيما بينهم للمصلحة العامة والهدف المشترك والقضية الواحدة، فلا يعقل أن ينشب اختلاف وانشقاق واضطراب فيما بينهم لتحاسد وتباغض أو لمصلحة شخصية أو لمنفعة دنيوية فانية!

و يعتقد المؤمنون بـ(قيادة الفقيه السياسية) بأن اختيار غالبية الناس لخيار الدولة الإسلامية سيتوجب عليهم حينئذ (طاعة الفقيه) و الذي سيكون المسئول الوحيد عن السلطة التشريعية، حيث أن هذه السلطة هي المسئولة عن وضع النظام للناس، فهي المسئولة عن كتابة (الدستور) وهو المبادئ العامة والخطوط العريضة التي تبنى عليها سائر الأشياء. و تشريع القوانين الموافقة لذلك الدستور.

و يخول الشعب في اختيار السلطة التنفيذية كما يمارس الشعب عبر مجلسه المنتخب الدور الرقابي لتلك السلطة.

و أرى بأن نظرية (ولاية الفقيه) هي كما عبر عنها آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي(دام ظله) في أنها أفضل أنظمة الولاية لو تم تطبيقه ‏بالشكل الصحيح وانتخاب الناس.‏

[1] للتفصيل في موضوع (ولاية الفقيه) راجع: كتاب (الحكومة الإسلامية – آية الله مصطفى الخميني)، و كتاب (الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق- آية الله السيد محمد باقر الحكيم)، محاضرة (ولاية الفقيه وبيان أصلها في الفقه الجعفري- آية الله السيد محمد باقر الحكيم).
[2] الكافي: 1/54 ح 10 و 7/412 ح 5 والتهذيب: 6/218 ح 514
[3] تفسير الإمام العسكري : 141 وعنه في الاحتجاج: 2/263
[4] كفاية الأحكام ص83