عادت

 


عادت وفي قلبها آنين


عادت وعلى جسدها جرح السنين


وعلى شفتيها إبتسامة الحزين


ودمع عينيها احرق المقلتين


تأنوا آنين الأم لفقد البنين


وعلى خديها رسمت حزنها الدفين


عادت سلمى بعد رحلة علاج , وبعد حجب زهور سنوات عمرها .


مرض سلمى افقدها التواصل , ونعمت الإحساس بالحياة , وسرق منها لذت الفرح , واختلس دمعت الحزن .


نفض الأب عن كاهله غبار السنين , ورحلة البؤس والشقاء .


ويسقط في دوامة الماضي , وشوق الحاضر , وغموض المستقبل .


وطأة سلمى أرض الوطن , وبقلبها نبض الحنين , وبين عينيها شوق العاشقين .


وتسحب والدها إلى دهاليز الحاضر , وتفتح دفاتر الماضي الأليم .


أمي الحبيبة , أخي الحنون , أختي العطوفة , عشنا الهادئ المضيء .


لم تكن مجرد ؟؟؟


بل مجلدات خطتها سلمى تحكي سنوات الغياب , وما حملت بين طياتها من غموض الحياة .


آنين والدُ سلمى على الماضي الدفين , والحاضر المهدور , والمستقبل المجهول .


آثار حفيظة سلمى , وتقاربت حروف الألم .


ونثرت دموع الرياحين على من دفنت أحزانها بين لهيب ضلوعها قبل أن يضمها تراب قبرها .


لامسة سلمى قبر والدتها , وبأصابعها الندية تواصلت مع عالم البرزخ بإحساسها الشفاف .


حلقت سلمى في عالم الملكوت .


هل تعاتب سلمى والدتها على رحلتها المبكرة إلى العالم الآخر ؟


هل تبث لوالدتها عن حاجتها إلى حضنها الدافئ ؟


هل تتناغم حروف الحزن معها على مرضها , وفقد زهرة شبابها بين آنين الألم ؟


رفعت نظرها إلى من يسكن على براكين الأحزان .


والدي ... والدي .


أبي ... أبي .


وفي لحظة سقوط دموع والد سلمى .


خيل لي كأنها أوراق الخريف تتساقط , وتتناثر في الفضاء الواسع , وتمتزج بذرات المطر الخفيف .


نعم ابنتي ...


شقيقك الأكبر وسندك بعد رحيلي من عالم الدنيا .


برق في عين سلمى لهيب الفراق .


أخي ... أخي .


عرجي نحو الفؤاد , وبين شراييني المقطعة على ألم الفراق , وبعين الرأفة والحنان , هنا يرقد لي شباب , ضاق عليه ذرات التراب فواريته في قلب الفؤاد .


وأحفاد لم تلهوا بألعاب الصغار , ولم ترتوي من حنان الأب , قد مزقها عظم المصاب .


تسيل دموعها , وتصرخ من آنين فؤادها , تنادي ياجداها أبعد عن ناظرنا كل ما صبغ بالاحمرار .


ولا تنسى ياجداها أزيز الطبول .


أزيزه قد مزق أجسادنا النحيلة قبل أن يمزق جسد والدنا أمام ناظرنا .


وأين أخي المدل الصغير ؟


هل بذكائك المعهود عرفت المقصود ؟


أحل له لبس الخلخال , وزين معصمه السوار .


وعن لهيب الشمس المحرقة قد أخفى جسده الصغير .


ويد القدر قد حرمته من نظرت الوداع , لمن مزق بأزيز الطبول .


وبين أسوار الحصن المنيع , وفي محيط الذراع سكن ابني الصغير كبير المعاني .


ومن عالمه المغيب , يمد أكفه يبحث عن أصابع يديه , ويرتد له طرفه أنت بين خيوط الظلام .


وتبكي دموعه , لترسل قطراتها بين غسق النهار الحالك .


مدت سلمى كفها إلى والدها .


وقالت والدي : خذ بيدي إلى شقيقة قلبي ورائحة أمي .


وتناغمت الأصابع , همس قلب سلمى عن عشق والدها .


وخفق قلبها شوقًا لعزيزة الروح .


نادت سلمى منى ... منى .


تجاوبت معها جدران منزلها .


وزف لها مأساة أختها , وعند كل حائط رُسمت ملحمة من ملاحم البطولة والإثار .


تمايل قلب سلمى وهو يقرأ هوية الماضي المجروح , زوج أخت حياة بلا روح .


وأبناء تبعثرت هويتهم , على أعتاب باب سكنهم .


تنفست عبير والدتها بين دراع شقيقتها .


حلقت في معاني أختها , وقرأت ضياع الحقوق , وفقد معاني الفرح , وتشتت ذرات الحزن .


وفاح من منى عبير وردتها المتناثرة بين أقدام الجبابرة .


وتساقط أوراق زهرتها في بدايات الربيع .


التقطت سلمى أنفاسها قبل أن تلتقط أوراق زهرة أختها .


قرأت الأوراق , وتصاعدت الأنفاس , عن كرامة بالأقدام تداس .


ومقدسات محرمة تمزقت , وأركانها ذرت في الهواء .


وضعت سلمى رأسها بين ركبتيها .


عاتبتها دموعها أتبكين ياسلمى ولماذا ؟


أتذرفين الدموع ؟


نبض القلب المفجوع .


ضاع الحلم وتناثرت الأفراح , واشتاقت الروح للأحزان .


نظر والد سلمى إلى ابنته ولم تسعفه دموعه لأن أحزانه أعظم من دموعه .


وارتفع صوت الحق في فضاء الدنيا الواسعة الله أكبر ... الله أكبر .


نهضت سلمى مسرعة وقالت : آذان الصبح أنه وقت الفجر .


وصدى صوتها ردد أنه حلم !!! لا ... لا كابوس مزعج !!!


الحمدلله لم أفقد ذاكرتي ولم تتشتت أسرتي .


أنه صوت الحق يعلو في أركان المعمورة .


أشهد أن لا إله إلا الله ...   أشهد أن لا إله إلا الله .


نظرت سلمى وقالت : لكن لازالت هذه الحروف على الجدران تسيل من حروفها قطرات الحزن الدفين .


تدفقت دموعها أين ؟ وماذا ؟


هل فقدت ذاكرتي ؟


أم حلم ؟