الثقافات المعاصرة وثقافة القرآن الكريم

 

 

 

هناك العديد من التعاريف التي تعرف الثقافة ويعرفها الانسان وكما هو سائد بإن هي مجموعة من العلوم البشريه التي يجمعها الانسان من الدراسات الاكاديمية والمجتمع ومن حوله ويشمل ذلك العادات والتقاليد والقيم مثل: الملبس والمأكل والصفات.

لكن هناك تعريف اشمل واعم وهي الثقافة الاسلامية الاصلية وتعرف الثقافة بأنها ( المعارف التي تعطي الانسان بصيرة في الحياة, ونورا يمشي به في الناس)(1) أي ان جمع الكم الهائل من المعلومات دون ان تحمل أي فائدة للإنسان لا تعد بثقافة انما التعريف الثاني هو الاصح حيث ان أي علم يحمله الانسان ويجعل عنده بصيرة ووعي كافي يكفي لتلافي أي من العقبات يعد الثقافة السليمة الاصلية وهي ثقافة القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه: (هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون)(2) , وتسعى ثقافة القرآن الكريم الى الاصلاح الجدري للانسان وتدليل الصعاب بان يعيش حياة سعيدة ويمكنه من خلال هذه الثقافة الا وهي ثقافى القران الكريم ان يستوعب حجم المشكلى ويضع لها الحلول المناسبة من خلال القران وبصائر الوحي.

وتختلف الثقافة القرانيه عن غيرها من الثقافات بأنها شمولية واممية وثقافة مسؤولة وغير تبريريه وهي صامدة امام جميع ظروف الحياة وتتكيف مع جميع الازمنه وغير منقطعه

القرآن صالح لكل زمان ومكان

يقول الإمام علي  :ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ ، ولَنْ يَنْطِقَ ، ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ : أَلا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي ، والْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي ، ودَوَاءَ دَائِكُمْ ، ونَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ ) (3)

يتميز القران الكريم بأنه يتكيف مع جميع الظروف و الازمنة مهما تغيرت الظروف فهو يضع للانسان الحلول لحل المشكلات بعكس الثقافات الاخرى فهي لا شك انها تتهاوى مع مرور الزمن ويتبين الخلل فيها لانها ثقافة وضعية قد وضعها الانسان والانسان بطبيعة الخلق ناقص وغير كامل, وفي حديث عن النبي صلى الله عليه واله : (انا اقاتل على التنزيل وعلي يقاتل على التأويل)(4) ولو تدبرنا في ايات القران الكريم ترى بان القران يذكر حوادث قد وقعت في زمن الرسول صلى الله عليه و آله أو قبل يذكرها القران ثم يضع لها الحل والنظرية والقاعد ثم تاتي وتأول الايات في زمن غير الزمن التي نزلت فيه لتطبق الاية فترى بان الايات قد وضعت الحل فبذلك يصبح القران صالح لكل زمان ,ومثال على ذلك : إنّ امرأة من بني همدان اسمها (سودة بنت عمارة) شكت إليه والياً فعزله الإمام عليه السلام والتفصيل كما يلي:
ذكر الإربلي في (كشف الغمّة) عن كتاب ابن طلحة، عن سودة بنت عمارة الهمْدانية ـ في حديث دخولها على معاوية ـ قالت: «والله لقد جئته ـ تعني أمير المؤمنين عليه السلام ـ في رجل كان قد ولاّه صدقاتنا، فجار علينا.
فصادفته قائماً يصلّي، فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي بلطف ورفق ورحمة وتعطف وقال:
ألك حاجة؟
قلت: نعم، فأخبرته الخبر.
فبكى عليه السلام ثم قال: ـ رافعاً طرفه إلى السماء ـ:
«اللهم أنت الشاهد عليّ وعليهم، وأني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك».
ثم أخرج عليه السلام قطعة جلد فكتب فيها:
(بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *﴿قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين)(85-الاعراف ).
فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك. والسلام».
قالت: ثم دفع الرقعة إلي، فوالله ما ختمها بطين، ولا خذمها، فجئت بالرقعة إلى صاحبه، فانصرف عنّا معزولاً»(5) أن الاية السابقة التي طبقها أمير المؤمنين بحق الوالي لم تنزل بحق الوالي بل نزلت بحق قوم نبي الله شعيب عليه السلام لكن الامام عليه السلام طبق الاية بحق الوالي فبذلك لا يكون القرآن وقف على زمان غير زمان بل يطبق في كل الازمنة و الاماكن والظروف

الصبغة الحقيقية لثقافة القرآن (التقوى)

قال تعالى:﴿يا أيها  الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين(6)

وقال تعالى:﴿فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة(7)

اول ما يقوم به القرآن الكريم هي زرع التقوى عند الانسان والخشية من الله سبحانه وتربيته على ذلك وجعل الوعيد و العذاب عقاب المخالف والجنة هي ثواب المتقين لذلك ثقافة القرآن هي الوحيدة القادرة على ان تضبط سلوك الانسان من خلال التقوى والخشية من الله.

الحق ميزان الثقافة الرسالية

ان ثقافة القران الكريم لا تعترف لا بعرف ولا تقاليد ولا جنس ولا نوع ولا اكثرية ولا اقلية ولا أي امتيازات اخرى وتعتبر الحق والعدل هم الميزان الحقيقي , وهذا ما قد وقعت فيه الثقافات الآخرى فقد اعتبرت الاكثرية هي الميزان حتى وان كان الاكثرية هم الخاطئون وجاء في حديث عن رسول الله صلى الله عليه واله: ( (ياعمار!) فان سلك الناس كلهم واديا وسلك عليا واديا, فاسلك وادي علي بن ابي طالب عليه السلام وخل الناس)(8) ويتبين لنا من الرواية بان يتبع الحق المتمثل في علي حتى وان كان في مقابل الحق الناس كلهم فلا يعطيهم الشرعية والحق.

الشمولية والأممية

ترى بأن القرآن الكريم في خطابه يقول (يا أيها الناس ....) ولم يخص القرآن في امور البشرية بخطاب بل تراه شامل للناس والامم ولم يخص القرآن بقول (يا أيها الذين امنوا ....) الا في الامور التي تخص المؤمنين وليس على من لا يعتقد بذلك خطاب يقول تعالى: (ي أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)(9) و (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)(10) ان القرآن جاء ليحرر البشرية أجمع لما هم فيه من الظلام والغي والطغيان وترى بأن القرآن شامل لجميع جوانب الحياة لا لجانب او عدة جوانب فهناك احكام تخص: السياسة والاقتصاد والدين والحرب والسلم و المأكل والمشرب والملبس و النوم والجلوس والمشي ووو .. الخ

الثقافة المسؤولة والتبريرية

يقول تعالى﴿وقِفُوهُم إنَّهّم مسؤولُونَ  ويقول سبحانة﴿وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً(11)

ان ثقافة القرآن الكريم هي ثقافة مسئولة تجعل من الفرد المسلم أنسانا مسئولا عن نفسه وسلوكه ورعيته ومجتمعه وكل فرد يعيش معه على الأرض وتراه يتألم على اخيه المؤمن وحتى وأن كان في غرب الارض وهذا كما جاء في الاحاديث الشريفة عن أبا عبدالله يقول : (المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد ، إن اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده ، وأرواحهما من روح واحدة ، وإن روح المؤمن لاشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها ) ( 12 ) وقول الرسول ( وإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون ) (13) وقولهأيضاً : ( ألا كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته ، فالاَمير الذي على النّاس راع ، وهو مسؤول عن رعيته ، والرَّجُلُ راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأةُ راعية على بيتِ بعلها وولده ، وهي مسؤولة عنهم )(14) ويقول أمير المؤمنين : ( اتّقوا الله في عباده وبلاده ، فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم..)(15)

الثقافات الأخرى وانبهار الشباب بها

في الحقيقة ما نراه من تقدم الغرب في الصناعة والازدهار والتقنية و التكنولوجيا وغيرها ماهي في الاساس الا بثقافة بل هي تقنيات قام الانسان بصنعها بمقدور أي انسان مهما كان انتمائه القيام بها إذا توفرت الظروف والبيئة المناسبة لذلك وسيبدع الانسان عندما يكون بحاجة لآلة ما, وكل هذا الابداع والازدهار والتقدم النسبي عند الغرب جعل من الشباب المسلم ينبهر ويعجب بتلك التقنيات مع قدرة شبابنا على الابداع والتطوير , ولكن لو عشت أو اقتربت من تلك الحضارات والثقافات لرأيتها سراب وهي غشاء دون محتوى وهي شعارات خاوية من المحتوى فمثلا سار الغرب ينادونا بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة وفي نفس الوقت يرفضون تطبيق ما ينادون به والدليل هو وجود العنصرية التي في امريكا مثلا فمنذ بداية امريكا الى الان ترى بأن اوباما هو اول رئيس اسود, وتراهم ينادون بحقوق الانسان بينما ترى في سجلات الغرب الكم الهائل من الحروب والدماء في فلسطين و العراق و افغانستان وغيرها الكثير فضلا عن انتشار الجريمة والشذوذ الجنسي وحوادث الانتحار اليومية وغيرها, فلم تستطيع الثقافات والتقنيات ايقاف كل تلك الجرائم وتقف عاجزة امامها وسترى كيف ستتاوى تلك الامم والحضارات والثقافات مع قادم الايام كما انهار الاتحاد السوفييتي وغيره, وترى أيضا كيف انهم يبدعون من اجل صنع القنابل النووية والصواريخ مثلا وكل تلك الابداعات من اجل دمار الارض وخرابها وترى ابداعهم من صناعة نظام تقني عالي رقابي ومسلح باحسن انواع الاسلحة من اجل حراسة اموالهم وبنوكهم ثم عندما يقومون بتطبيق النظام الحراسي ترى بإن من وظفوهم هم من يقومون باستخدام تلك التقنية من اجل سرقة الاموال فيقفون عاجزون امام حل هذه المشكلة فبعدما قضوا مدة من الزمن لصناعة النظام الرقابي يسقط ويتهاوى امام اعينهم فينبغي عليهم اصلاح الافراد انفسهم للقيام بعمل وتطبيقه وغيره من الامثلة الكثيرة.

ثقافة القرآن وحل المشكلات

عندما يقوم القرآن بتربية افراده على التقوى و الخشية من الله والعذاب والرغبة في الجنة ويؤمن بأنه هناك من خلفه قدرة غيبية ومعاد وحساب تكون كل تلك الامور ضابط لهم من ارتكاب الجريمة والرذيلة فعندما يقوم الفرد المسلم ذات الثقافة القرآنية بصناعة شي ما سيبدع من اجل عمارة الارض لا لخراب الارض ودمارها يبدع من اجل بناء الانسان لا من اجل دمار الانسان وخرابه من اجل أمن الانسان وسلامته, تقوى الانسان وخشية من الله تجعل ذلك مانع بأن يقوم بصناعة قنبلة تدمر الانسان او صاروخ يقتل البشرية(16), ان تقوى المسلم وخوفه من الله لا يخول لنفسه ان يسرق او يكذب او يخون او يزني او.. او ...,فعند وجود كل تلك الفضائل لا حاجة بأن يبدع الانسان بهذا القدر من اجل حماية البنوك او الاموال او غيرها لانه من يحمي تلك الاماكن لديه الامانه والنزاهه بأن يخون اصحاب المال لانه يرى عين الله عليه ويخشى من الحساب والعقاب ,وليس هناك مكان للجرائم والسرقات والشذوذ الجنسي في وسط افراد الثقافة القرآنية, ترى بأن الاسلام يحرض على الزواج المبكر والانجاب والعلاقات الاجتماعية التي لا تجدها عند الغرب مثل التزاور وصلة الارحام وحق الجار والصديق و الكبير والصغير والوالدين والرئيس وعالم الدين والعالم والاخوة والوحدة وغيرها, وكل تلك العلاقات مبنية على اساس التقوى.

لماذا لم يصلح القرآن واقعنا

بعد ما ذكرنا ثقافة القرآن الكريم والحلول الصالحة لاصلاح واقعنا نرى بأن الامة في انهزام اضمحلال وتقهقر وتأخر رغم ما لدنيا من ثقافة تسع العالم اجمع والبشرية وتضع لهم الحلول لاسعادهم وجعلهم يعيشون حياة مليئة بأمن والامان والرخاء, كل ذلك يكمن في انه لو كان لدينا آلة جديدة ومعها كتيب صغير يشرح لنا كيفية تشغيلها واستخدامها ولكن قمنا بوضع الكتيب على الرف واجتهدنا لكي نجعل تلك الالة تعمل فلن تعمل وان عملت فإنها ستعمل مدة من الزمن ثم ان العمل الخاطئ سيجهدها ويجعل ذلك يسرع في تلفها, كذلك الانسان بتركة الثقافة القرآنية الرسالية الاصلية و اتباع غيرها وان ابدع يتوه في الظلام وهذا ما اخبرنا به الرسول الاكرم صلى الله عليه واله بقوله: (إني تارك فيكم الثقلين, كتاب الله وعترتي اهل بيتي, وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا) (17) وبتفريطنا لتعليم القرآن والعترة المهدية عليهم السلام تهنا في غياهب الظلام ولن يصلح حالنا الا بالعودة الى كتاب الله الحكيم وتطبيق مافيه.

(1) الثقافة الرسالية
(2) سورة الجاثية -20
(3) نهج البلاغة ، الخطبة 156 .
(4)رواها العلامة الاميني عن مصادر في رد مخاريق ابن تيمية وحكم قتال الجمل وصفين من كتاب الغدير: ج3 ص174
(5) كشف الغمّة: ج1 ص174، ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ج69 ص225 في ترجمة سودة رقم9363، والاستيعاب لابن عبد البر: ج3 ص1111، عن أبي اسحاق السبيعي، نحوه.
(6) سورة التوبة 119
(7)سورة البقرة 24
(8)فرائد السمطين للعلامة الجويني الشافعي ج1 ص178
(9)البقرة 24
(10)المائدة-1
(11) الصافات 24 / الاسراء 34
(12) الكافى : ج 2 ، ص 166 .
(13) كنز العمال 5 : 289 .
(14) صحيح مسلم 3 : 1459 كتاب الامارة ـ دار احياء التراث ط1
(15) نهج البلاغة ، خطبة 167
(16) لا مانع من صناعة تلك الوسائل من اجل الدفاع عن النفس ولكن بقدر ما.
(17)الاحتجاج ج2 ص215 مستدرك الوسائل ج7 ص254