أوقف طوفان التعدي يا خادم الحرمين الشريفين

 

 

عندما يتغلب الهاجس الأمني لدى أية دولة على هاجس الوحدة والرقي بمجتمعاتها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؛ فإن هذا – دون شك – يصبح مؤشراً خطيراً، وسبيلاً قصيراً، نحو فناءٍ لهذه الدولة. يحصل هذا حتى إن كان هاجساً أمنياً خارجياً. أما وإن كان داخلياً؛ فلا أجد أن تقوم لدولة تعمل بذلك أية قائمة أخرى. فمفهوم السلطة للدولة لا يعني التسلط على المجتمعات بالمواجهات الأمنية والعسكرية، بل هو المنظم للقوى فيها في جميع مجالاتها، عبر تحقيق غايات وأهداف المجتمع التي تقود إلى الاطمئنان.

من هنا نلمس أن المجتمع متمثلاً في أفراده، بحاجة ماسة للدولة وسلطتها عبر الاحتواء الكامل له، ومنحه حقوقه غير منقوصة، وتحقيق مبادئ العدالة والمساواة، كما تحتاج الدولة وسلطتها إلى المجتمع الذي يبنيها، في نسق يقود الاثنين معاً لتحقيق منظومة متكاملة من الرضا. نعم من حق الدول أن تمتلك أسلحتها، وتهيئها، لكن لمواجهة العدو، والعدو فقط، وليس لتوجيهها إلى صدور أبنائها، وإن حصل ذاك – وسيكون مما يؤسف له، ويندى له الجبين خجلاً، بل ومما لا تنساه الشعوب أيضاً – فيجب أن يكون بسلاح يتوافق مع متطلبات الحدث أو الأزمة، وقد تعددت أنواعه، دون سعي لتصعيد ومبالغة، والذي قد يأخذ بالوطن إلى ويلات لا تحمد عقباها، ولعل أمضى سلاح هو الحوار والإنصات لحاجات الشعب وتطلعاته، والعمل على إيفائها له.

وهنا تبرز حكمة رجل الدولة، ورجاحة تفكيره، وقدرته على إدارة الأزمات، كذلك سياسته ومناهجه المرسومة تجاه كل المواطنين وبمختلف فئاتهم.

وفي ظل ما يسكن الوطن اليوم من الأعاصير الهوجاء، والرياح المستعرة، والعواء "المستذئب" من بعض سلاطين الدّين التابعين لسلاطين الدنيا، بكافة أنواعهم وأحجامهم، ومن عديد من كتاب ومحرري، ورؤساء تحرير الصحف، الذين تاجروا بأقلامهم وضمائرهم لأجل الإساءة لمن تجمعهم بهم الإخوة في الله، وفي الدين، قبل الإخوة في الوطن؛ هم فئة المواطنون الشيعة، في مقابل عدم السماح لعلمائهم وكتابهم بالرد، بل أن إعلان الولاء وتقديم طقوس الطاعة أصبح شرطاً مبدئياً لذلك! في إشارة مقيتة نتنة إلى الشك في ولائهم الذي شهد به إخلاصهم على مرّ الزمن، وفي قدح في طاعتهم، وإن يصل الأمر بأولئك إلى تحريف الكلم عن مواقعه، والخطب التي تصدر منهم عن حرفية عباراتها، حتى غدا اسم "الشيعي" يسجر في قلوبهم حقداً وغيظاً،  فتباروا في تنافس محموم للنيل منه.

في ظل كل ذلك فإنه ولأجل أن توجه السلطة سلاحها السليم، وفي مكانه الحقّ؛ لا بد أن يبادر صاحب القرار؛ عاجلاً لمنع التعدي على هذه الفئة من  أبناء الوطن من كافة الجهات والوسائل المريضة؛ التي استقوى أصحابها ومريدوها بالسكوت عنهم، بقرار رسمي صريح، وقانون يجرم ذلك ويعاقب عليه.

ويبقى السؤال الملح، أما آن الأوان لوضع حدٍ لكل ما يحصل من محاولات سرطانية لتفتيت جسد هذا الوطن، والداعية لاستفزاز أبناء هذه الطائفة الواعية بما يحصل، والمتمردة في نفس الوقت على مظلوميتها منذ عقود، وهي بالرغم من كل ذلك لم تنتهج يوماً في مطالباتها إلا مسلك السلم، عبر القنوات الرسمية المتسلسلة، ولم ترد إلا مورد الوضوح والشفافية في تعاملها، فتُعطى – كما هي أعطت للوطن ولم تبخل –، حقوقها كاملة، أسوة بكافة مناطق المملكة؟

فمن قطيف الخير والعزة والإباء، التي استقبلت يوماً بكل المحبة والترحاب مليكها، نخاطبه بوطنيتنا النقية في هذه المرحلة الحرجة جداً من عهده قائلين: إنك وقد اتخذت لنفسك يا خادم الحرمين الشريفين اسماً لم يعطه لك أبواك، وإنما لعهدٍ ألزمت به نفسك حين تسميت به، خدمة للإسلام والمسلمين كافة، ولهذه البلاد وأبنائها خاصة، أن لا تقبل وأنت الخادم للحرمين أن يأتي غيرك ويعمل على أن يكون هادماً لهما، حين يجهر فيهما بالصوت، ومن على منابر المساجد الأخرى، داعياً لإخراج مواطنين من بلادهم، متهماً لهم بالعمالة لدولة أخرى تارة، وحين يشكك تارات ليس في وطنيتهم فقط، وانتمائهم لهذه الأرض المباركة التي لا يعدلون بشبر منها كل مساحات العالم، وإنما يطعن في دينهم، فيخرجهم عن الملة، يؤازرهم عديد من أولئك الكتاب الذين باعوا ضمائرهم للشيطان في صفقة خاسرة عقدوها معه، فهل يرضيك ذلك منهم أو من غيرهم، أو تراه يتوافق مع تصريحاتك، التي ما أكثر ما ناديت بها من أجل وحدة المواطنين، وأمن واستقرار الوطن؟ فإن لم يكن كذلك؛ فأوقف طوفان التعدي السافر هذا يا خادم الحرمين الشريفين، وأول الخطو وأنجعه هو الاعتراف الرسمي في بيان صريح عبر كل وسائل الإعلام بالمذهب الشيعي في البلاد، ليسجلها لك التاريخ، كما سجلها للخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حين قال "إن بقيت لكم أعطيتكم جميع حقوقكم". وقد فعل.