سقوط المثقف !

 

 


كم هو مؤلم أن يسقط المثقف بين ذاته ، وبين الآخرين أيضا ، و كم هو فادح أن يخالف هذا المثقف ما تعلم به و آمن به من أفكار و معرفة ، و هو الذي يعول عليه كثيرا لتوعية مجتمعه لغد أفضل .

ليس ضروريا أن يكون المثقف أداة جامدة لا تعيش الواقع ، و تعيش التنظير و الإنحباس في قصر عاجي و  وهمي ، بل من الأفضل التفاعل مع المجتمع بقدر ، و جعل الأمر يحكمه خيط رفيع ، بين الإنعزال و الإنقياد ، فلا هذا بحسن و لا ذاك بنافع ، في عالم مليء بالمتناقضات و الصراعات و الأيدولوجيات ، و لكن من المحتم أن تتألم لمن يحمل راية الوعي و الحرية و هو يقع في براثن التقديس الزائف و التمجيد الأعمى لشخصية ما ، مهما بلغ شأنها ، و يعطل بذلك حواسه التي تميز بها عن غيره .

لقد أعطاك الله أيها المثقف ما لم يناله الكثيرون من البشر ، أعطاك - عقلا متفتحا و حصيفا ، و أتاح لك من العلم و الإطلاع ما لم تتح لآخرين الفرصة أن يتعلموه ، فهل حافظت على تلك الهبة و العطية ؟

و هل سعيت لصونها من البيع و الشراء في لعبة المصالح و حب الظهور ؟

كم خسرت أخلاقيا و أدبيا بين جموع محبيك جراء هذا الزيف و التيه الذي تعانيه ؟

أيها المثقف _ المحبة رائعة و محبة النفس ليست عيبا  ، و لكن العيب أن تجعل تلك النفس مرتعا للتضليل و تحوير الحقائق ، و جعل الأقزام عمالقة ، و بيع الأوهام للعامة ، ألست أنت من ينورهم ؟

يا وجعي منك من مثقف _ كأنك تشتري الضلالة بالهدى ، تنام في أحضان التسلط و سادة القمع ، و لا بأس لكي تصل مبتغاك أن تتلبس بلباس الدين في بعض المراحل ، هل نسينا بالأمس القريب بعضا من الأسماء اللامعة في دنيا المعرفة ، كيف باعت ضميرها بحفنة ذهب أو فضة ؟

هل يمكن أن ننسى كوبونات نفط العراق كم اشترت من شخصيات ؟!

للنظر مليا لتجار الشعارات و الخطب الميكروفونية في الفضائيات !

لننظر محليا لبعض المواقع و وسائل الإعلام من يكتب فيها؟ و كيف ؟ وفيم يكتب ؟ و فيمن ؟!

أيها المثقف - تمهل قليلا ، فنحن بحاجة إليك و لأمثالك ، كي تكملوا رسالة التنوير و نقل الناس لمفاهيم الحضارة ، و هدم الأصنام التي صنعها البشر ، فالله جل و علا - أخرج الناس بدينه القويم من الظلمات إلى النور ، فهل تعيدنا إلى العتمة من جديد ؟

قبل أن نخوض في علاقة المثقف بالسلطة ، تلك العلاقة الجدلية الشائكة ، علينا أن نجد الحلول لمشكلة المثقف مع مجتمعه ؟ كيف يتفاعل معه ؟ هل يسير معه ؟ أم يسيره له ؟

نحن مدعوون أن نفكر من جديد و بدون قيود ، علنا ننجح .

دمتم بخير أيها الأحبة .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
ابراهيم علي الشيخ
9 / 2 / 2012م - 12:22 م
ما أروعك أيها الفائق إسلوباً وفكراً ، وكم أنت بحّار حاذق لا يتعلق على الإطلاق بأذيال الضفادع ، نعم هناك من يصدق أكذوبة النخبة فيرتمي في بئرهم العفن ، وهناك من يجيد التسلق على حساب القيم المُعتبرة ، وهناك من هو برميل فارغ ويحسبُ ضجيجه مؤنساً . اللهم أدركنا بعنايتك وهداك . دمت محمود الخصال .  
2
فائق المرهون
[ القطيف - أم الحمام ]: 9 / 2 / 2012م - 1:52 م
عزيزي الأستاذ ابراهيم / وفقك الباري ....
ما وضع الروعة فيما كتبنا هو زينتها بما سطرته أناملكم الجميلة .
أما النخبة المتعالية و المنعزلة فيقابلها بالطبع الشعبوية المخادعة ، التي تدغدغ مشاعر صاحبها بتصفيق هنا أو هناك ، و كلاهما مر في كل حال !
نلتجئ إليك يارب من كل بائع أفك ، و متاجر بالقيم .
دامت ألطافك أيها المهذب الواعي .
معلم اللغة العربية