كلنا نحبك ياباش مهندس

 

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي

كم هي الدنيا موجعة وفانية وقصيرة وألمها دائم وفرحها محدود ومفقودوها كثر ومصائبها نكتوي بها بين الحين والآخر، وفقدك الأهل من بلاياها وما أصعبها من لحظات وأنت تتلقى خبراً مؤلماً ينقل إليك عن وفاة أي شخص، فكيف إذا كان هذا الإنسان رفيق درب وصديق عمر وممن عاش طفولته ومراحل عمره وشبابه معك.

فارحل فما كان المقام سوى ضنا ، ولربما كان الشفاء رحيلا، ليعذرني الجميع ولتعذرني روحك يا الغالي، فكل الكلام وان قيل لم يوفى حقك ، تزاحمت الافكار في خاطري، ولم أجد لها متنفسا إلا ان أضعها كما هي، لعل فيكم فطنا يدرك الألم والحزن الذي يكويني.

هويت خارا على ركبتي يهزني قلبي الباكي قبل مقلتي، الكل حوله اخوته اعمامه اخواله اصدقائه وكل من كان يحب جاسم، يبكون لفقدك يا غالي يبكون لانهم يدركون ان لخلقك وافعالك مكان في قلوبهم، ولأنهم لن يجدوا مثلك. 

ففي لحظة من لحظات العمرالحزينة فقدت أم الحمام جوهرة أبداعية في الهندسة المعمارية وأحد أشهراعمدتها وأهم رموزها العاشقين لها المهندس جاسم بن حسن قواحمد رحمه الله واسكنه فسيح جناته بعد صراع طويل مع المرض انتهت بوفاته ودفن في مقبرة الاباء والاجداد في جنازة مهيبة قل مثيلها، بعد ان صلى عليه الاف البشر رافعين الاكف الى الله بالدعاء له بالمغفرة والرحمة والرضوان.

لا أعتراض على قضاء الله بعد أن اهدانا أعمالاً وتحفاً فنية لن ننساها أبدا ما حيينا.

أصيب بالمرض واستمر معه سنوات طوال، تخللته عمليات جراحية وفترات نقاهة وعلاجات كيماوية وأشعاعية في كل من أسترايا والمانيا.

بعدها قررالسفرالى الولايات المتحدة الامريكية للعلاج، وقد تبين أن المرض اللعين والخبيث مستعصي ولن يرضى بغير البقاء والاستمرارفي جسده النحيل، ولكن جاسم كان دا ارادة قوية وايمان راسخ تحدى السرطان اللعين الدي إحتاج لسنين عجاف حتى ينتصرعلى جسده ولم يتمكن من الروح فأي إنتصار بائس هذا؟

وهل هناك عناد جميل بعد هذا العناد؟

لم أتخيل يوما أن رجلا إسمه جاسم يمكن أن يخادع الخبيث ويهزمه طوال سنوات، أي غفران يرتجي لنا نحن الضعفاء عندما يرحل عنا الأقوياء؟

سافرعدة سفرات الى أمريكا وكان الامل يحدونا برجوعه مشافا معافى، وبعد رجوعه من رحلة العلاج ألاخيرة في امريكا، كنا في زيارة خاصة له في منزله ولم يكن في صحة جيدة مطمئنة، وبعد اسبوع نقل الى المستشفي وكان الموت قريبا منه، ففارق المهندس الحياة وانتقل الى جوار ربه بنفس راضية مرضية مؤمنة بقضاء الله وقدره.

نشط العديد من الاخوة والاصدقاء ورجال الدين لمساندته ومساعدته والوقوف معه في مرضه جنبا الى جنب، الكل يتمنى خدمته وزيارته، كان عنوان هده الحملة (كلنا نحبك ياباش مهندس)، نعم الجميع سعى لتقديم الدعم المعنوي والعاطفي لربما من خلال المكوث معه والسهر على راحته أو من خلال الزيارات المتعاقبة أو من خلال الرسائل والدعوات له بالشفاء العاجل، وقد تنفس وعبرعما بداخله بتواضع بقوله:

لم اكن أشعران جاسم يستاهل كل هده القلوب الحنونة وهده العواطف الجياشة، ولم اتوقع ان هده القلوب بجانيي، اجتمعت على حبي، تواسيني كقلب واحد وروح واحدة، بل ولم اتخيل أن رحيلي ولو كان متوقعا سيخلف لدى الجميع جرحا غائرا، وان الاجساد كلها ستنتفض لفقدي ولسفري من غيررجعة.

لهدا عندما رحل بكته الجماهيرالمحبة والوفية، وجدنا انفسنا تبكي مع الباكين، لانه في الحقيقة لم يكن أنسانا عاديا، كان من أولئك الدين يكافحون في حياتهم ويمشون على الالمهم، ليعلموا الاخرين أن المرض لم يكن يوما عائقا لاحد، ليخبرنا أن حياتنا تستحق أن نعيشها ولو على حساب أوجاعنا وآلامنا، فأثني عشر سنوات مع المرض كانت في حسابه مغامرة تستحق أن تسجل في دفاتر الزمن.

قدم المهنس صورة حية للمجتمع في صبره وكفاحه.

كان في فترة خضوعه للعلاج في الغربة حريصا على تواصله مع المجتمع، وأكد انه قبل رحيله كان يسابق الزمن ليرى أم الحمام الخير دائما وأبدا عالية في القمة، لم يفارقه حبها حتى أخر نفس من حياته، واليوم برحيله افقد جزءا غاليا من نفسي وذكرياتي.

انه فقيد الجميع، عرف بأعمال الخير، من اكثر الناس شهامة ونخوة، كريما في تعامله، ووقوفه مع كل شرائح المجتمع وفي كافة المجالات، فهو معطاء بلا حدود، لطيف المشاعر، ويعد معنيا بالوفاء والصدق، يتمتع باخلاق الفارس، عرفته صاحب همة عالية، وسباقا للخير مسعفا لدوي الحاجات، صاحب كلمة مدوية فيها الصدق والاخلاص، ومحبا لجميع اصدقائه وفيا معهم، كثيرالدعابة البريئة.

كان قادرا باسلوبه الرشيق على أجتذاب عدد كبير من الاصدقاء من مختلف الاطياف حسب ميولهم الاجتماعية والدينية والفكرية والعلمية، لانه يتصرف بصورة عفوية وبسيطة جدا وكان في تلك السلوكيات يعكس ذلك الحس الانساتي والنقاء الفطري التي تنطوي عليه نفسه.

فلو اردت ان اكتب ما بداخلي عن الفقيد الغالي لوجدت الاسطر قد ضاقت، والقلم جف، واسال الله جلا وعلا ان يجعله ممن سعد بلقاء ربه وانا اليه راجعون

جاسم الأن بين يدي من لا يظلم ونحن الباقون بعده وسط غابة من الظلمة والعتمة، فانهض يا صديقي وانفض غبار القبرعن أكتافك وأهدابك فلدينا احمد وعلي وعبد العزيز، فالغبار لا يليق بالأنقياء مثلك.

رحمك الله يا صديق العمر يا أبو أحمد، إن الكلمات لتعجز عن التعبير بما فى النفس من ألم الفراق والبعد، كما و اسأل الله أن يجعل مثواك الجنة أنت ومن سبقك من الأحباب كما واسأله أن لا يطيل المسافة بيننا لنلتقي في جنة النعيم.

وها أنت اليوم تكون ممن غادروا هذه الدنيا وتركت فراغاً كبيراً في حياة محبيك ومن عرفك والناس شهداء الله في أرضه، فكان حضور تشييع جنازتك وأسرتك والصلاة عليها ومواراتها الثرى دليل على ما يحمله الجميع من محبة لك، رحمك الله يا صديقي العزيز، سبحان الحي الذي لا يموت سبحان من بيده ملكوت كل شيء وهو يجيرولا يجارعليه سبحان من أراد شيء أن يقول له كن فيكون.

رحم الله عاشق ام الحمام، التي تستحق الكثيرمنا لتكون بحق عروس الدنيا، ومنارة للرجال الاوفياء، ويستحق كل من أحبها واخلص في حبها أن تخلد ذكراها ويخلد اسمه على أي قطعة من أركانها الثمينة والغالية، فجاسم الحب والوفاء يستحق ذلك لانه عاش بها واستحق ان يدفن في ترابها فكان خادما لها ولاهلها وعاشقا مبتسما لضحكتها الساحرة صيفا وشتاء.

اللهم إني أسألك أن ترحم وتغفر له وأن تثبته في قبره وأن تغسله بالماء والثلج والبرد وأن تنقيه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اجعل موته راحة له من كل سوء واجعل موته رحمة له يا أرحم الراحمين، اللهم وسع قبره واجعله روضة من رياض الجنة، اللهم اجعل قبره أول منازل بشراه وأول خطاه للجنة، رحم الله تلك الروح الطاهرة والنفس الزكية النقية ، لسان العصر وحديث الذكريات، ولا نملك إلا أن نقول ان العين لتدمع وان القلب ليحزن وإنا على فراقك لمحزنون، و (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).

ورحم الله من قراء لروحه سورة الفاتحة

رئيس مجلس إدارة نادي الإبتسام بأم الحمام