مأتمُ الحسين(عليه السلام) ...بين التكثير والتكثيف

الأستاذ أحمد على العبدالله شبكة منار الولاية

ما إن تهلّ عشرة محرم الحرام إلا وتجدُ نفسك بين كمٍّ هائلٍ من المجالس الحسينية ، حتى لَأنَّك تجد في الحيِّ الواحد داخل القرية الصغيرة ما لا يقل عن المجلسين . وهنا السؤال يُطرح : هل هذه الظاهرة صحيحة وصحية ؟! وهل هي علامةٌ من علامات عُمق الولاء والارتباط بخط سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)  ؟ أم أنها أصبحتْ عادةً فلكلورية اجتررناها من أجدادنا لكي يكون هناك مأتمٌ يحملُ اسم العائلة ؟

 لعلنا لأول وهلةٍ نُصدرُ حكماً إيجابياً على هذه الكثرة الكاثرة من مجالس المولى الحسين (عليه السلام) ،وهب أنها لأجل أن تتبارك العائلة بشرف إقامة مأتمٍ للمولى الشهيد (روحي فداه) ، فما الضير من ذلك ،  فهي تشير بالفعل إلى وجود الارتباط واللُّحمة بيننا وبين أهل بيت نبيننا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإن كانت ظاهريةً ، بل إن لنا أن نقول إنَّ في ذلك تكثيرٌ للسواد الذي نُدبنا إليه من قبل الشارع المقدّس ففي (وسائل الشيعة، ج14، ص501 كتاب الحج، باب استحباب البكاء لقتل الحسين وما أصاب أهل البيت عليهم السلام وخصوصاً يوم عاشوراء) عن الإمام الصادق(عليه السلام)إنه قال للفضيل بن يسار: (( تجلسون وتتحدثون؟ فقال: نعم. فقال: إن تلك المجالس أحبها، أحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا فان من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)) . وقد يتساءل سائلٌ عن ما إذا كان هدف الإمام الصادق (عليه السلام) من هذه المجالس - أولاً وبالذات - هو طرح فكر آل محمد (عليه وعليهم السلام) وثانياً وبالعَرَض هو الندبة لمصابهم (عليهم السلام) ،  أم أنَّ العكس هو الصحيح ، وهو المطلوب ؟!

فنقول أنَّ المشهور من سيرة أهل البيت (عليهم السلام) من هذه المجالس هو النُّدبة والبكاء لمصابهم (عليهم السلام) هذا - أولاً وبالذات - وثانياً وبالعَرض بثّ هذا الفكر المحمدي الأصيل ،  فإننا نقرأ في كامل الزيارات لابن قولويه (( ص175 ، باب (71) ثواب من زار الحسين(عليه السلام)يوم عاشوراء)) عن مالك الجهني: أنَّ الباقر(عليه السلام) قال: ((.. ثم ليندب الحسين (عليه السلام) ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً بمصاب الحسين (عليه السلام) فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله عزّ وجلّ جميع هذا الثواب)) ، وغير ذلك الكثير .

وهنا يقع الكثير في المحذور الشرعي ، والتنظير الذاتي ، فيقولون : لِمَ نحضر إلى هذا المأتم أوذاك ، الآن سيبثّ على شاشة التلفاز محاضرة إلى الشيخ الدكتور /الوائلي (عليه الرحمة) ، سنستمع إليها ونستفيد منها أفضل من ذهابنا إلى المأتم الفلاني إذ أنَّ مواضيع ذلك الخطيب لا طائل منها ، وليس يجيد إلا النعي !!!

ولنا أن نتساءل مع هذا الشخص ، ومن قالَ لك أنَّ المطلوب - شرعاً- هو الاستفادة الفكرية من مآتم عاشوراء ، صحيحٌ أنها مطلوبة ، وإذا وُجدت فهي نورٌ على نورٍ ، ولكننا مأمورون كذلك بالحضور الفعلي في مآتم الحسين (عليه السلام) وإن كانت فائدتها مقتصرةً على الندب ، وما فيه ما فيه من الفوائد النفسية والروحية ، وفي الحضور تكثير للسواد اللاطم والنادب على المولى الحسين (عليه السلام) . نعم طموحنا من هذه المجالس شيءٌ ، وما هي عليه في الواقع شيءٌ آخر ولا تتم المعالجة بمقاطعتها البتة . ولسنا كذلك مع التكثير لهذه المجالس على وجهٍ تفتقد معها إلى القوة وإلى العنصر المُحرِّك لها مع مرور الزمن ، وإلى عدم انفتاحها كرسالةٍ حضاريةٍ لبقية الأمم . ومن هنا ندعو إلى (تكثيف هذه المجالس) مع التنسيق عند (تكثيرها) ، فتجد كثيراً من المآتم المقامة لا يحضر فيها إلا العشرة والعشرون ، ولِمَ ذلك ؟ أليس ذلك إضعافاً لها ؟ وتوهيناً لها ؟! ومن هنا أجدُ أنَّا بحاجةٍ ماسة إلى ترتيب مآتمنا الحسينية ولو في الوقت على أقل تقدير ، كما أطمح لرؤية (مأتمٍ مركزي) لا يتعارض مع أي مجلسٍ آخر في المحلة المقام فيها ليصبح الحضور فيها قارعاً ومهيباً ، كتجمّعٍ يقول للعالم أننا نستنكر قتل الحسين(عليه السلام) إلى يومنا هذا .