الربيع العربي . . . إلى أين ؟
ما لذي يجعل المواطن العربي البسيط يشعر بالفرح و الكبرياء المستعاد حين تتهاوى بعض أنظمة الحكم في المشرق ؟
و لماذا نراه يفيض حماسا، و هو يشاهد شاشات التلفزة ناقلة لنا صورة معبرة، مظهرة جموع الثوار وهم يسقطون تمثالا أو رسما، لأحد رموز عبادة الفرد و الشخصية ؟
هل هي صدفة ؟
هل هو ترف ؟
أم محبة للفوضى و الخراب ليس أكثر ؟
بالطبع – الإجابة ليست كذلك، فالثورات أو ما يسمى بالربيع العربي التي أذهلت أشد المحللين دراية، و أضاعت حسابات أكبر المنجمين و أصحاب الطالع، هي نتيجة حتمية للكبت المتواصل و غياب الحريات، و سوء الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، و ترديها المستمر.
يقول أدونيس في مقدمة أحد كتبه، تعليقا على مرور 30 عاما بين صدور الطبعة الأولى لكتبه، وبين الطبعة الثانية " ثلاثون سنة مرت، و نحن نزداد سوءا كل يوم، فالحريات تراجعت، و الخوف يتصاعد، و السجون تضيق من كثرة أعداد أصحاب الرأي، و ... و.. ".
حتما – كل إدعاء بأن هذه الثورات، لباسها ديني صرف، هو غير صحيح، فالثورة في تونس رغم أن ديكتاتورها السابق حارب التدين، وقام بسجن العديد من رجال الإسلام السياسي، لم تكن من أجل الدين، فالدين محفوظ، وله كينونته الموروثة رغما عن أي كان، و قس على ذلك الثورة في مصر و ليبيا و البحرين و سوريا و اليمن، لم يكن طابعها إسلاميا أبدا، حتى و إن رفع البعض شعارات تعبوية منها.
من المؤسف و المعيب أن تغيب الرؤية، و يغطي الضباب أعين العديد من المثقفين و المفكرين و القياديين العرب، اتجاه الثورات العربية المتلاحقة، فلا يعقل أن نؤيد ثورة في بلد ما، و ندينها في بلد آخر، و لايمكن أن تكون ثورة "مجيدة و عظيمة "في هذا البلد ، و ثورة "أمبريالية بأدوات إستكبارية "في بلد آخر !
إنها بشديد الألم الطائفية الممقوتة، الساكنة في النفوس كمسكن النار في الحجر، وازدواجية المعايير، و ثقافة المصالح الضيقة والآنية، كما أن غياب القيادات الواعية له دور أيضا.
إن الفقر، و تضخم الثروات بيد فئة قليلة، و انحسار حرية التفكير و المعتقد، و انعدام الديمقراطية و المشاركة و العدالة الإجتماعية، ليست بالشيء الهين، حتى نستبعدها كمسببات لهذه الحراكات أو الثورات، أما حصر كافة الأسباب فيحتاج لإسهاب طويل، و جيش من ذوي الإختصاص لشرحه.
لن يعدم المستبد وسيلة للبقاء، ألا و جربها ليظل قابعا على قلوب شعبه، ناهبا لخيراته، مطلقا مخبريه ليحصوا أنفاس رواد المقاهي و الحدائق، و ليحصوا الداعين عليه، من جموع المصلين في المساجد.
فله ذلك حتى حين، و للحديث بقية ...دمتم بخير .