حتى أنتم أيها الحكماء!!
• ما الذي يدفع إنساناَ فاعلاَ لأن يُقرِّر إعتزال الجماعة والإنضمام لحزب المقاطعة تحت أي عنوان كان؟
• وما هي الفائدة التي ستعود على من دفعَهُ لإتخاذ هذا القرار المفاجئ في إكراه " إن وجِدْ " ؟
• ولماذا يُعاني العمل الإجتماعي من حالات التصادم، والتشرذم بين من نحسبهم من عقلاء القوم وحكمائهم؟
• ولمصلحة من هذا الإنشطار الحاد في الأهداف بين أصحاب القواسم المشتركة؟
• وكيف يطرب البعض لحالات " الطّلاق، والإجهاض " في سرور تام؟
• وماذا سيُقال للأجيال المتعاقبة إذا ما أدركوا عُمق المأساة التي ما زالت تزحف نحوهم بغباء؟
إن المرء يتفهّم بالتأكيد طبيعة النفس البشرية، ونزواتها الأزلية، كما أنه يعي حتماً أنه لا يوجد على وجه المعمورة مجتمع يخلو من الإصطفافات، والشللية، مهما بلغت درجة وعي أفراده، وتراكمت إنجازاتهم الإنسانية، ومُكتسباتهم الحضارية، لأن التنافس له دورٌ إيجابي كما التعاون تماماً، إذا ما أُحسِن استغلاله، وتمت عملية إدارته بحكمة وتخطيط متوازن، أمّا أن يتحوّل إلى صراع ومكائد فتلك طامة كُبرى.
إنني مُصابٌ بالدهة - كما أنتم تماماَ - من جرّاء بعض ما يحدث على الساحة الإجتماعية من تنافر بين الرؤوس وليس على مستوى التنفيذيين فحسب، والغريب أن هناك من يحاول إستثمار حالة التشرذم هذه ليضعها حيث تصبُّ مصالحه، وتحقّق غاياته، وترجِّح كفّتة، ويعلو بها كعب شخصيته!! ولستُ أدري إن كان يعلم، أو لا يعلم، بأنّ ذلك يحملُ في طيّاته ضرراً حاداً ومُدمراً للتماسك الإجتماعي ليس له نظير.
من الطبيعي جداً أن يعمد المرء لبلورة أفكاره، وصياغة كينونته، وتكوين حرَمَهُ الخاص به، الذي لا يحقُّ لكائنٍ من كان أن ينتهك حرمته إلاّ برضاه، ويجب على الآخرين ضرورة إحترام هذا الحق المتساوي مع حقوقهم، وعدم المساس به أو التقليل من شأنه بأي صورة كانت، كما أن له الحق كذلك في الإنتماء للجماعة النفسية الإجتماعية التي " على شاكلته " شريطة أن لا يؤدي ذلك لظهور حالة من صراع الأدوار بين الأجزاء المكونة للنسق الإجتماعي العام، حتى لا يتضعضع المجتمع وتذهب ريحه في بدد " لا سمح الله " .
المؤسف - أيها الأخوة - أن تظهر على السطح بعض الخلافات بصورة تدعو المراقب إلى التشاؤم، حيث يتم نشر الغسيل في " سوق عكاظ " وعلى رؤوس الأشهاد في شكل حممٍ بركانية تثور في جنون لتعم كل الجهات، وتسحق بل وتذيب كافة الجهود الخيِّرة، وهذا في إعتقادي يعتبر سوء توفيق ممن هم في سدة المسؤولية، رغم يقيني بطيبتهم، وصفاء سريرتهم، إلاّ أن الإصابة بالعمى الإنفعالي تجعل المرء يَستحسنُ مالا يُستحسن، بل ويتفنن في تفعيل أدوات التفكير التبريري لفعلته تلك ما استطاع لذلك سبيلا!!
بربِّك أخبرني كيف لنا أن نرتقي بأنفسنا إنْ نحنُ إتخذنا من " سياسة التصادم، وتفخيخ العقول " أداة استراتيجية لا شريك لها لإدارة علاقاتنا ومشاريعنا الإجتماعية؟
ثم قل لي بربك أيضاً كيف يقبل المكلّفون شرعاً بمهمة التوفيق بين الناس، وهدايتهم لجادّة الصواب، ورأب الصدع بينهم، أن يكونوا جزءاً ملتهباً من حطب هذه الحالة المزرية؟
تسألني :أليس بالإمكان أن يطيح المرء بذاته الأمّارة بالسوء أرضاً ويدفع بالّتي هي أحسن من أجل الحفاظ على اللُّحمة الإجتماعية، وتحقيق المصلحة العامة التي تُرضي "الله ثم محمد وأل محمد" وتسعد قلوب المؤمنين، قبل الحرص على تحقيق غلبة المصالح الفئوية الضيقة؟
أجيبك بود واحترام: أعتقد أن ذلك سهل ويسير إذا ما صفيت النوايا، وشفيت النفوس من داء الطهارة، وتورّع دُعاة التأزيم عن " دسِّ أنوفهم " في كل شاردة وواردة، وتابوا توبة نصوحا عن ممارسة هوايتهم الدنيئة بالرقص على المقابر، والإصطياد في المياه العكرة، وتنازلوا عن كبريائهم الرخيص، وآمنوا أولاً برسالتهم الإنسانية، وحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبهم التاريخ، وساهموا بإخلاص، ونية صادقة في عملية تنظيف حقول الألغام، فمتى ندري وننجوا فاعذروني؟ تحياتي.