الحسين يتحدى التاريخ والزمان

قال الرسول الأعظم : «إن الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام خير ويمن وعز وفخر وبحر علم وذخر» [1]  

حين يتجدد الزمان ويترك التاريخ في الماضي ليصنع الحاضر تظهر سطوته التليدة والحاكمة في فرض ناموس الإخترام والتجدد فأمسه موت وفناء وتلاشي ويومه وساعاته نفس جديد وحياة وليدة، وهكذا دواليك بين الفناء والحياة بين أمس الذي فر من بين أناملك وأعياك أن تعيده أو تؤثر في معطياته وبين حاضرك الذي تعالجه بكل حرية واقتدار.

لتبقي بين سلطان الوقت وبين حريتك ألآنية وليكلكلك الزمان بقوته وجبروته فلا مناص من حكمه والإذعان لأمره ماخلا الأمام الحسين وواقعة الطف وأرض كربلاء فقد قهر الزمان في هذا الحد الفاصل بين التلاشي والخلود.

فخلود هو الحسين وخلود واقعة الطف وكربلاء هي العالم بأسره، فلا يفنى زمان الحسين لأنه فوق الزمان ولن تضمحل كربلاء لأنها أم المكان ولن تنسى واقعة الطف لأنها تاج الملاحم ونهر العطاء وبحر الفيض وسماء العبر.

إن التاريخ ليقف إجلالا ويتجمد في صفحات الذكرى ليكون حديقة لمقطف العبر والمثل والحكمة أمام غامر من التفاعل والشحن في الفضيلة الحسينية الحية، فالحسين حياة واقعية نابضة ترسل حرارتها كالشمس فتحي ألأمل في العباد وتمرع جفاف البلاد.

ويك أن الزمان لا يقف أمام شيئا ولا يدركه السكون، ولكنه لا يسبق عاشوراء بتجدده وتناميه، فلقد خلد الحسين عليه الصلاة والسلام من اليوم العاشر عام الواحد والستين في دانميكية التجدد والتطور ومهما أستحدث الزمان من وقائع تبقى واقعة الطف هي المقاس الذي تقاس عليه الأحداث والوقائع، ومهما تغايرت المعطيات في تقلب الحدثان وتنوعت الشخوص وتباعدت الاختلافات فهناك النموذج الكر بلائي والمقياس للحد ألأعلى وحتى مقياس التسافل والخنوع والدونية تراه في كربلاء أتخذ له عنوانا ورسم على كهوف العبرة بيانا صارخا.

فكربلاء قمة الصبر وبسالة الشجاعة وكامل التضحية والحد الأسمى من الفداء والذوبان في الفضيلة في أخيبة مخيم الصلاح والصلاة والعبادة وفي الطرف ألأخر في فسطاط الظالمين مثال الدونية وألانحطاط إلى مادون ألأنعام بل أضل سبيلا.

ففي كربلاء الصبر على الطاعة والانقياد للقيادة أللإلهية والجود بالمال والنفس والأولاد والتضحية بالحياة والجاه والدعة.

في كربلاء قمة الفضيلة تتصاغر أمام فداء الحسين وجود العباس وتضحية ألأكبر ومنافحة الشيوخ ومجالدة الشبان ورباطة جأش ألأرامل وثبات الثواكل وعظمة زينب  جميعا.

وفي كربلاء وقعت نماذج الخسة والغدر وكلاحة ألإدعاء والكذب ودونية شمر وسفالة عمر بن سعد وانحطاط يزيد وأطماع المرتزقة وأعراف الرذيلة وجبن المتملصة وفخار الدنيئة وتداعي أحجار الصدق واهتزاز معاني الحق وانكشاف أحدوثة أل أبي سفيان.

كذب الموت فالحسين مخلد، كلما مر الزمان تجدد

نعم يتجدد الحسين لأنه أقوى من الزمان وأسرع من الضوء في نشر الحقيقة ومحق الضعف ألإنساني ليبدل بقوة الإرادة وشمم العزة، فكل ما ظهر باطل أخسأ بمقاييس كربلاء لذلك ترى أهل الجور يحاولون جاهدين في نفث دخان العداء ضد الحسين ليطفؤوا نور الله بأفواههم وبياناتهم ومحاولاتهم لطمس حزن عاشوراء وجعله فرحا وانتصار للجور على الحق والوقوف مع الظالمين الغابرين.

﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ  [1] 

وهذا من قبيل الإثبات للحكمة القائلة في كل يوم عاشوراء وفي كل أرض كربلاء فما دامت لا تزال ألأنفس الشح والأرواح المريضة والشهوات المعبودة فهي تعادي كربلاء وتعادي الحسين وتقف مع أجلاف الطف ضد كرام الشهادة ورجال الأنفة والعزة والرشاد إلى أخر الزمان.

فأنوار الشهادة ونسيم الصدق ودموع ألإنعتاق من الشهوة تشرق مع كل فجر وتضل كاشفة دامس الظلمة فلا تستطيع النفوس الظلامية والأصنام الشهوانية أن تتحمل ذلك فتراها تهط هطيط جهنم في أجسام الملعونين وتتحطم حقدا وغيضا وتزفر زفرات أهل الجحيم.

ألم نقل لكم بأن الحسين فوق التاريخ والزمان!

والصلاة والسلام عليك يا أبا عبدالله ولعن الله أول ظالم ظلم حق محمد وأل محمد وأخر تابع له على ذلك اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين وشايعت وبايعت وتابعت على قتله اللهم العنهم جميعا.

السلام على الحسين وعلى على ابن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين جميع ورحمة الله وبركاته.

[1]  عيون أخبار الرضا: 1/62، وقريب منه في فرائدالسمطين: 42
[2]  التوبة 32