أن تكونَ ميتاً!
لطالما فكرتُ بكَ شتاءً, في البرد حين نتدثر بآلاف الأغطية , ونرتدي القبعات الأنثوية , والجوارب الملونة ,في البرد الذي يدغدغُ جثتكَ – آسفة لأنني أقول جثة يا جدي – وفي طين المقبرةِ الذي يلتصق بحذائي الأسود , وأتساءل : أيّ ملاكٍ سيمحو عن وجهكَ لزوجة الطين ليدعك تتنفس.
كان هذا في الشتاء , عندما متّ منذ سنوات أربع . و بعدها بعامين , لم أعد للمقبرة أبداً .
في الأعياد الشتوية التي تلت سفري , في الجمعات الحزينة , في الأيام التي يزورونك فيها عادةً , لم أكن هناك . ولم تعد تجيء في أحلامي .
هذه الجمعة , صيفاً أتيتك .
أصبح لديك جيران كثر , أتذكر أنكَ كنت في الصف الأخير وكان إلى يسارك فراغ شاسع . أردتُ قبراً قربك , كي تمسّد أحزاني , وأقبل يدكَ مساء كل أربعاء . هذا الصيف اكتشفت أنهم أخذوا قبري.
بدلاً من تهيؤاتي الشتائية , فكرتُ : كيفَ تقضي صيفك ؟
النهاراتُ طويلة , والشمسُ – لعنةُ الخليج – تلوّننا بسمرةٍ محروقة , هل صرتَ أسمراً ؟ كم صيفاً مرّ على قبرك؟
بركةٌ من ماء الورد تسبح فوقك , أغمس يدي أطمئن لبرودته , بركةٌ من ماء وردٍ عكّره التراب . أَتعجبك الرائحة ؟ هل صار الجو أقل حرارة في الأسفل ؟
أحياناً أفكر في أنك قد تكون حياً , وأننا أخطأنا بدفنكَ مبكراً , اليوم , وأنا أمسح على قبركَ بصوتي قارئة سورة المُلك , بكيت.. لأنكَ حقاً لم تعد , لم تتقمص روحَ عصفور ولا بتلة وردة , ولا ريحاً تهزّ شبّاكي بغناءٍ من عالمٍ آخر.
ماتت صالحة التي كانت تسفّ سعف النخل قبل يومين . ماتت خديجة قبلها بوقت , هل محت الملائكة آثار الحادث عن وجهها الجميل ؟ ماتت جدتي علوية أيضاً . هل أنتم جميعاً بخير , أخبرني فقط , توسّل لله كي يرتعش التراب تحت يدي أو يتموج الماء بابتسامةٍ تشبهك .
أن تكونَ ميتاً فلا نسمع ضحكتك الصاخبة ؛ ذلكَ ما يؤلم حقاً .
نحن فوق جميعاً بخير , رِضا الذي تحب صار نحيفاً بعد موتك .
كنتُ حزينة جداً في الأيام الفائتة , .. لكنني بخير الآن .
آسفة لأنني لم أزرك كل هذا الوقت .
أحبك كثيراً , وقرائيني تحبك .
ابنتك