الإيداعُ ينجب الإبداع , حسن آل حمادة مثالاً
افتقدنا الكاتب حسن آل حمادة وبعد سؤالنا عنه قيل إنه ذاهبٌ في رحلة غوصٍ في بحور الثقافة والفكر للبحث عن لؤلؤٍ فريد , وحقّاً كان عند حسن الظن , فقد عثر على اثنتين وعشرين لؤلؤة من اللآلىء النفيسة النادرة ذات قيمة فكرية وثقافية عالية عرضها في كتابه الأخير ليستمتع بقيمتها كلُّ من يتأمل فيها , حيث قصّت كلٌّ منها تجربتها بأسلوبٍ جميل ممتع ومفيد , واستطاع من خلالها رسم لوحة فنية مميزة رائعة تجسّدت في كتابه الأخير من إصدار دار القارىء تحت عنوان:
تجارب الكتاب من القراءة إلى الكتابة) الذي يُعدّ أحدث مولودٍ من الكتب للكاتب الأستاذ حسن آل حمادة والذي جمع بين دفتيه تجارب العديد من الكتاب المتميزين في مجالات متعددة سواء على المستوى المحلي كسماحة الشيخ فيصل العوامي وعبدالخالق الجنبي وغيرهما ,أو المستوى الخليجي كخولة القزويني أو المستوى العربي كحسن حنفي. ومن خلال قراءتي لبعض التجارب المختلفة لهؤلاء الكتاب المتميزين لاحظتُ أنهم من خلال اجتماعهم بين دفتي هذا الكتاب القيّم قد اتفقوا على بيانٍ ختاميٍّ واحد - بإجماع الجميع - وهو أن الإيداع ينجب الإبداع. وأقصد هنا الإيداع المعرفي المتمثل بالقراءة والإبداع هو الثمرة الناتجة على شكل كتاب.ولي في هذا السياق تصوّر أدبي طبي! وهو أن عملية الإنجاب هذه تمر بعدة مراحل , ابتداءً من ذهاب الكاتب إلى المكتبة ليشتري كتاباً فتراه يوزع النظرات يميناً وشمالاً , إلى الأعلى وإلى الأسفل إلى أن تقع عيناه على عنوان يشده , فيبتسم بعد أن يتناول ذلك الكتاب , ثم تراه يتأمل ويتساءل ,يحدق ويدقق , يتفحص ويتمحص إلى أن يعقد النية لشرائه , ثم تبدأ مرحلة القراءة الدقيقة وتدوين الملاحظات وهي بمثابة اللقاح الذي يخصب بويضات الأفكار في مخيلة الكاتب , وقد لا تحدث عملية الإخصاب هذه إلا بعد قراءة العديد من الكتب في ذلك المجال. ثم تأتي بعد ذلك مرحلة حمل الأفكار في المخيلة, وأخيراً مرحلة الولادة التي تبدأ مع بداية كتابة عنوان الكتاب وتنتهي مع نهاية خاتمة الكتاب , وقد تكون ولادة متعسرة أو متسهلة حسب قناعة الكاتب لتنتهي بولادة كتابٍ جميلٍ يكون قرة عين لكاتبه.
أثناء قراءتي للكتاب توقعت أن أقرأ تجارب لكتّاب لهم ثقلهم الثقافي محلياًّ وإقليميا كسماحة الشيخ حسن الصفار وسماحة الشيخ عبدالعظيم المهتدي البحراني , وأعتقد أن تجربتهما كانت ستضيف قيمة عالية لهذا الكتاب القيّم. ولا أستطيع أن أخفي بأنني تمنيت قراءة تجربة سماحة أية الله المجاهد السيد هادي المدرسي حفظه الله والتي بحق ستكون أنضج تجربة يحتويها الكتاب لو كُتب لها ذلك ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
وهنا لا بد أن أقف احتراماً للكاتب المتميز حسن آل حمادة وأشكره على هذا الطرح الفريد والمحفز على الكتابة , فبمجرد انتهائي من قراءة تجربة من تلك التجارب لاحظت تلاطم الأفكار في مخيلتي وأحسست بتوقد شديد للكتابة نادرا ما يطرأ عليّ , نحن بحاجةٍ إلى كتّاب وكتبٍ تؤثر إيجاباً في المتلقي كهذا الكتاب ,وهنا لا بد أن أشير بأن الأستاذ حسن آل حمادة قد أبدع بفكرة هذا الكتاب لا بكتابته , وصدق من قال : رُبّ فكرةٍ خيرٌ من كتاب.
كلمة أخيرة أحب أن أؤكد عليها وهي أن الإيداع ينجب الإبداع.