دور الأسرة والمدرسة في بناء التوازن الاجتماعي للطفل

تهتم التربية الحديثة بتنمية شخصية الطفل من جميع الجوانب باعتباره أمل المستقبل، وذلك ابتداء من مراحل حياته الأولى...

وتشكل الأسرة الإطار المرجعي للطفل حيث يتمثل من خلالها معايير وقيم مجتمعه وتقاليده وأعرافه، وبالتالي تلعب دوراً مهما في تحديد شخصيته.

ولهذا فإنّ طبيعة المناخ النفسي ونوع العلاقات والتفاعلات النفسية والاجتماعية التي تسود بين أفراد الأسرة تعد من الروافد الهامة في تطبيع سلوك الطفل وتفجير مواهبه وقدراته وصقلها وتوجيه حياته في المستقبل.

كما تشكل المدرسة المحيط الثاني والعنصر الأهم في عملية التنشئة الاجتماعية السليمة، ومن خلالها يبدأ الاحتكاك بالعالم الخارجي؛ لهذا فإنّ للمدرسة دوراً مهماً في ضبط السلوك وتوجيهه من بدايته.

ويُعدّ التوازن الاجتماعي من المفاهيم الأساسية في علم النفس التربوي والاجتماعي؛ إذ يشير إلى قدرة الطفل على التكيف مع ذاته ومع الآخرين في إطار القيم والمعايير التي يفرضها المجتمع.

ويُفهم هذا التوازن على أنه حالة من الانسجام بين الحاجات الفردية للطفل وبين متطلبات البيئة الاجتماعية، بما يتيح له التفاعل الإيجابي وضبط سلوكه وبناء علاقات قائمة على التعاون والاحترام المتبادل. ومن هذا المنطلق، فإن التوازن الاجتماعي عملية ديناميكية مستمرة تتأثر بالأسرة والمدرسة والمجتمع.

التوازن الاجتماعي تحت المجهر التربوي:

يرى ألبرت باندورا «Bandura» صاحب نظرية التعلم الاجتماعي أنّ الطفل يكتسب أنماط السلوك الاجتماعي من خلال الملاحظة والتقليد والتعزيز، مما يجعل الأسرة والمدرسة بيئتين محوريتين في تشكيل هذا التوازن.

أما إريكسون «Erikson» في نظريته حول النمو النفسي - الاجتماعي فيؤكد أنّ نجاح الطفل في تجاوز مراحل النمو، مثل الثقة مقابل عدم الثقة، أو المبادرة مقابل الشعور بالذنب، ينعكس بشكل مباشر على قدرته على التوازن الاجتماعي.

أبعاد التوازن الاجتماعي:

ويتكون التوازن الاجتماعي من أبعاد مترابطة تشمل الجانب الانفعالي الذي يتمثل في ضبط المشاعر والتعبير عنها بشكل مقبول اجتماعياً، والجانب السلوكي الذي يظهر في الالتزام بالقواعد واحترام النظام، إضافة إلى الجانب المعرفي الذي يعكس إدراك الطفل للقيم والمعايير الاجتماعية وفهمه لأدواره داخل الجماعة، وأخيراً الجانب التواصلي الذي يتجلى في القدرة على الحوار والإصغاء وحل المشكلات بطرق سلمية.

التحديات التي تواجه الأسرة والمدرسة في تحقيق التوازن الاجتماعي:

التغيرات الاجتماعية.

التفكك الأسري: تزايد معدلات الطلاق والانفصال يؤثر على استقرار الأُسَر.

الهجرة: الانتقال من مكان لآخر يؤثر على الروابط الاجتماعية.

الضغوط الاقتصادية.

البطالة: تؤدي إلى ضغوط اقتصادية تؤثر على القدرة على توفير احتياجات الأسرة.

الاختلاف في الدخل: التفاوت الاقتصادي بين الأسر يؤثر على فرص التعليم والتنشئة.

تكنولوجيا المعلومات.

التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي: يمكن أن تؤدي إلى عزلة الأفراد وعدم التواصل الفعّال.

الاعتماد على التكنولوجيا: قد يصرف الطلاب عن القيم الاجتماعية الأساسية.

تتطلب مواجهة هذه التحديات تضافر جهود الأسرة والمدرسة والمجتمع ككل. ومن خلال التعاون والتواصل الفعّال، يمكن التغلب على العقبات وتحقيق توازن اجتماعي مستدام.

العوامل المؤثرة في درجة التوازن الاجتماعي:

وتتأثر درجة التوازن الاجتماعي بعدة عوامل في مقدمتها الأسرة التي تمثل المصدر الأول للقيم وأنماط السلوك، والمدرسة التي توفر بيئة منظمة للتفاعل الاجتماعي وتوسيع دائرة العلاقات، إضافة إلى المجتمع الأوسع بما يحمله من ثقافة وإعلام وقيم سائدة. وبالتالي فإنّ الإلمامَ بهذا المفهوم في ضوء النظريات النفسية والاجتماعية يتيح إدراكاً أعمق لدور الأسرة والمدرسة في بناء ودعم شخصية الطفل المتوازنة اجتماعياً، ويؤكد أنّ هذا التوازن يمثل شرطاً أساسياً للنمو النفسي والسلوكي السليم.

دور الأسرة في بناء التوازن الاجتماعي والنفسي للطفل:

تعتبر الأسرة البيئة الأولى التي ينشأ فيها الطفل، حيث يتعلم القيم والمبادئ الأساسية التي تحدد سلوكه الاجتماعي. ومن أهم أدوار الأسرة في بناء التوازن الاجتماعي:

اكتشاف قدرات الطفل وتنمية مهاراته.

تنمية الجوانب الوجدانية في شخصية الطفل: توفر الأسرة للطفل الحب والرعاية، مما يعزز شعوره بالأمان والثقة بالنفس. هذا الدعم يساعد الأطفال على بناء علاقات صحية مع الآخرين.

تعليم القيم الاجتماعية عبر النمذجة السلوكية: بالتفاعل اليومي، يتعلم الأطفال القيم مثل الاحترام، التعاون، والمشاركة. هذه القيم تعزز من قدرتهم على التفاعل بشكل إيجابي في المجتمع.

توجيه السلوك وتقويمه: من خلال تقديم النماذج الإيجابية وتبادل الأدوار. هذا يساعد في تشكيل سلوكيات الطفل الاجتماعية.

توفير الحاجات النفسية للأطفال: كالحاجة للحب والحنان وتقدير الذات.

دور المدرسة في دعم التوازن الاجتماعي للطفل:

تعتبر المدرسة مكانًا حيويًا لاكتساب المهارات الاجتماعية والتفاعل مع الأقران. ومن أبرز أدوار المدرسة في دعم التوازن الاجتماعي:

1. توفير بيئة تعليمية محورية: تساعد التلميذ على التفاعل مع زملائه، مما يسهم في تعزيز مهارات العمل الجماعي والتعاون المشترك.

2. تنمية مهارات حل المشكلات: من خلال الأنشطة الصفية واللاصفية، والتوعية بقواعد السلوك والمواظبة يتعلم الطلبة كيفية التعامل مع الخلافات وحل المشكلات بطريقة سلمية.

3. غرس قيم التعددية الثقافية والتعايش الاجتماعي: تساعد المدرسة التلاميذ على فهم الاختلافات الثقافية والاجتماعية، مما يعزز من تقبلهم للآخرين ويغرس فيهم قيم التعايش السلمي.

4. توجيه السلوك الاجتماعي: من خلال اللقاءات وورش العمل التدريبية التي تقدم للتلاميذ، تعمل المدرسة على توجيه سلوكهم وتعليمهم كيفية التصرف في مواقف الحياة المختلفة.

وبناءً على ذلك نوصي بضرورة:

تعزيز قنوات التعاون بين الأسرة والمدرسة من خلال برامج مشتركة للمتابعة والتوجيه.

إدماج الأنشطة التربوية والاجتماعية في المناهج الدراسية بما يسهم في تنمية مهارات التفاعل والتواصل لدى الأطفال.

تدريب الوالدين والمعلمين على أساليب التنشئة الحديثة القائمة على الحوار والقدوة الحسنة.

تفعيل دور المؤسسات التربوية في غرس قيم التسامح والانتماء والمسؤولية الاجتماعية.

ختاماً:

إنّ بناء وتكامل التوازن الاجتماعي للطفل ليس مسؤولية الأسرة بمفردها، بل هو مشروع مجتمعي متكامل، تبدأ لبناته الأولى في الأسرة، وتترسخ دعائمه في المدرسة؛ ليخرج في النهاية جيلاً قادراً على الإسهام في استقرار المجتمع وتقدمه.

حسين أحمد آل عباس 16 / 5 / 1447 ه