التحدي الذي يصنع النجاح
في خضم إيقاع الحياة السريع وضغوطها المتلاحقة، قررت أن أمنح نفسي يومًا من الراحة، يومًا أبتعد فيه عن صخب العمل وازدحام الالتزامات.
جلست أمام التلفاز أقلب القنوات دون هدف محدد، حتى توقفت عند برنامجٍ صباحي يستضيف فتاة شابة تشعّ ثقة وإصرارًا.
كان أول ما لفت انتباهي صوتها؛ كانت تتحدث بتأتأة واضحة، لكنها لم تحاول إخفاءها، بل واجهت الكاميرا بكل هدوء وثقة، وكأنها تقول للعالم: نعم، أتأتئ، ولكنني أتكلم، أعبّر، وأُنجز.
بدأت الفتاة تسرد قصتها، فتحدثت عن السنوات التي كانت فيها التأتأة عائقًا أمام أحلامها، وكيف تحولت بمرور الوقت إلى دافعٍ للتميّز، روت عن نظرات الاستغراب التي كانت تلاحقها، وعن كلماتٍ جارحة أحيانًا، لكنها لم تسمح لتلك اللحظات أن تهزمها، بل جعلت منها وقودًا يدفعها إلى الأمام، خطوةً بعد أخرى، حتى أصبحت نموذجًا يُحتذى به في الإصرار والإيمان بالنفس.
الأجمل من ذلك، أنها أسست ناديًا للتأتأة، يجتمع فيه أشخاص يواجهون التحدي ذاته، ليتبادلوا الدعم والخبرة، ويكسروا حاجز الخوف من الحديث أمام الآخرين، قالت بابتسامة واثقة ”لسنا ضعفاء، نحن فقط نتحدث بطريقة مختلفة“.
تلك الجملة كانت كفيلة بأن تزرع في داخلي احترامًا عميقًا لها، ولكل من يملك الشجاعة ليحوّل ضعفه إلى قوة.
وبينما انتهى اللقاء، لاحظت المفارقة الجميلة، ذلك اليوم الذي اخترته للراحة كان 22 أكتوبر اليوم العالمي للتأتأة، اليوم الذي يحتفي فيه العالم بالأشخاص الذين يواجهون هذا التحدي بشجاعة، ويسعون إلى نشر الوعي بأن التأتأة ليست عيبًا في الشخصية، بل طريقة مختلفة في التواصل.
حينها أدركت أن ما شاهدته لم يكن مجرد لقاء تلفزيوني عابر، بل درس في الإرادة والكرامة الإنسانية.
كم من شخصٍ يملك كل المقومات، لكنه يستسلم عند أول عقبة؟ وكم من آخر، مثل تلك الفتاة، يصنع من الإعاقة سلّمًا يرتقي به نحو أحلامه؟
لقد علمتني قصتها أن التحديات لا تُقاس بحجمها، بل بطريقة مواجهتنا لها، وأن النجاح الحقيقي ليس غياب الصعوبات، بل القدرة على تحويلها إلى طاقة إنجاز وإبداع.
في نهاية اليوم، لم يكن يوم راحتي هدوءًا من العمل، بل استراحة في مدرسة الحياة، حيث تعلّمت أن القوة الحقيقية لا تكمن في الكمال، بل في الشجاعة على النطق، حتى لو كان الصوت متلعثمًا.








