مرحى بصداع الكتب

ينتاب بعض من ينتهي من قراءة بعض الكتب شعور ذهني عميق خليط من الحزن والفرح والفراغ، أو مشاعر أخرى يصعب معها التوقف عن التفكير في هذه الكتب، وربما عدم القدرة على البدء بقراءة أي كتاب آخر. ويعود ذلك إلى قوة الكتاب وأفكاره أو ألفاظه، وقوة الحبكة إن كان رواية، بحيث يستمر القارئ في التفكير في أحداثها ومواقع الأحداث وشخصياتها، كل ذلك مختلطًا بحنين إليهم كما لو كان قد عاش معهم ردحًا من الزمن وللتو قد ودّعهم. وقد تبلغ الحالة بالبعض أن ينفصل عن واقعه المحيط ولو لفترات قصيرة ليعيش - ولو افتراضيًّا - مع شخصيات أو أفكار ما قرأ، وكأن الكتاب قد كُتب من أجله هو فقط. ولا يقتصر الحزن الناجم عن قراءة الكتاب على النهايات الحزينة بل حتى لو كانت سعيدة؛ إذ يتأسف على انتهاء الكتاب وتوقف الشعور بالسعادة.

وقد سميت هذه الحالة عند بعض القراء والكتّاب والمفكرين بصداع الكتب أو دُوار الكتب «Book Hangover». وتستمر لدى البعض مدة تطول وتقصر اعتمادًا على قوة الكتاب وحالة القراء النفسية وخلفياتهم. وقد يقوم بعضهم بإعادة قراءة الكتاب ثانية وثالثة، أو إعادة قراءة بعض صفحاته أو بعض العبارات والاقتباسات منه. كما أن البعض قد تتزايد لديه أحلام اليقظة حول بعض الكتب، وقد يستغرق في ذلك حتى يفقد شعوره بالوقت. ومما قد يفكر به في أحلام اليقظة ما قد يحصل لأبطال الرواية مثلًا فيما لو كتب المؤلف فصلًا آخر منها، وكذلك مصير كل من ورد ذكره في الرواية.

وربما أبقى البعض الكتب قريبة منه مدة طويلة أو حملها معه أينما ذهب، وحتى إن تركها فإنه يواظب بعدها على متابعة أخبار الكاتب باستمرار لكي يتحقق من أي جديد قد يصدره.

وربما يعود السبب في مثل هذا الشعور إلى أن الكِتاب قد لفت أنظارنا إلى أمور لم نكن على دراية بها أو لم نستوعبها إلا منه، وهو ما دفعنا إلى تغيير نظرتنا لبعض الأمور أو أعاد ترتيب أفكارنا من جديد.

ورغم أن «صداع الكتب» حالة إيجابية إن كانت مدتها قصيرة، وتدل على قدرة الأدب على التأثير العميق في الناس؛ فإنه لا بد من التعامل معها في حال طالت مدتها. ويُنصح في هذا الإطار بعدة أمور، منها البحث عن كتب مشابهة للكتاب الذي تسبب في الحالة، أو باستشارة أصدقاء محبين للكتب. كما يُنصح بمناقشة مضمون الكتاب مع مجموعات قرائية قريبة من القارئ أو في نوادي القراءة. وإن كان لدى القارئ موهبة كتابة فينصح بكتابة قراءة له أو مراجعة وتلخيص له ثم محاولة نشرها في مكان ما؛ إذ قد يسهم ذلك في تفريغ ولو جزء من هذا الصداع في المقال. وإن وُجدت صعوبة في تناسي الكتاب أو تجاوز هذه الحالة فلا بأس من أخذ فترة راحة مؤقتة من القراءة حتى يعود للقارئ توازنه القرائي.

ختامًا ينبغي القول إن الناس لا يتساوون في نظرتهم إلى الكتب، فما يبدو كتابًا آسرًا للبعض قد يكون كتابًا عاديًّا جدًّا عند آخرين لأسباب متعددة، وما يظهر لأناس أنه كتاب عادي قد يكون كتابًا لا مثيل له عند آخرين.