صوت لن يغيب سماحة الخطيب ملا حسين آل باقر وذكرى الأربعين

بادئ ذي بدء نستطيع القول جازمين أن فقدان الصفوة، والحكماء، وأهل العلم والمعرفة، والمثقفين، والدعاة وأصحاب الخبرة والرأي. يعد نائبة عظيمة تحل بالمجتمعات كافة؛ فهؤلاء الفئة الموقرة هم بمثابة مصابيح يشع نورهم ليضيء من خلاله طريق الحق والصواب، وفقدهم يعتبر خسارة لايمكن وصفها بل يصعب تعويضها لما لتلك الطبقة السامية من دور ساطع ومشع في بناء الفكر وتشييد العقول. وهم بلا شك العاملون المخلصون، وكذلك القادة لسفن الخلاص والنجاة، وهم حماة الدين المتصدون لمن يسلك طريق الغوغاء والأهواء.

ومن الأمثلة الحية على هذه المقدمة سلفا هو ما أشار إليه العنوان أعلاه «لشخصية ذات مكانة مرموقة وعالية». من حقه علينا وتكريما لعطاياه السخية والمباركة وفي ذكرى الأربعين لرحيله رحمه الله وإحياء وتأكيدا لسيرته العطرة في هذه المناسبة الأليمة علينا جميعا بعد أن لبى نداء خالقه جل في علاه بعروج روحه الطاهرة لجوار بارئها راضية مرضية.

نعم هو سماحة الخطيب الكبير الملا حسين بن الملا محمد آل باقر المولود سنة 1364 هجرية من أسرة علم أسرة كريمة متدينة في بلدة حلة محيش تلك القرية الشامخة، وهي إحدى قرى محافظة قطيف الإباء، وقد تربى وترعرع في كنف أبويه وقدكان والده من كبار معلمي القرآن الكريم في منطقتنا قاطبة، وقد نهل العلم من أبيه، وكذلك من شقيقه الأكبر سماحة الخطيب الكبير الشيخ حسن آل باقر رحمهم الله جميعا، وهو بلاشك قامة علمية فذة يشار لها برجل فائق التقدير وعظيم الاحترام تجاه عمق ثقافته وغزارة وعيه. والذي كان لجانبه يحفه برعايته وحنانه ويمده من فيض أخلاقه ووفرة علمه كما يعد سماحة العلامة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ عبدالمجيد أبو المكارم رحمه الله من أبرز أساتذته وغيره من مشايخنا الأعلام وقد حفظ كتاب الله وهو في عمر مبكر، كما أعتلى المنبر الحسيني وهو في العاشرة من عمرة، واستمر على ذلك المنهاج حتى وافته المنية بعد صراع مع المرض وكان موعده للقاء ربه يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة ألف وأربع مئة وستة وعشرون من الهجرة.

إن لتلك العائلة الموقرة وما أنتجته من رجالات صالحين متزنين نافعين أسوياء من حيث الجميل من الأفعال والتحلي بمكارم النبل والأخلاق والفضيل من السلوك والآداب وكذلك الشعور بتحمل المسؤولية والالتزام بالإضافة للجود والسخاء، ناهيك عن دورهم الفاعل والمؤثر في خضم الأوساط الاجتماعية. كذلك إسهاماتهم ومشاركاتهم الإيجابية والناجعة في جميع الأعمال والمناسبات، ونخص بالحديث أيضا ماقام به الراحل قدس سره من خدمات جمة وعديدة لايتسع المقام بطبيعة الحال وفي هذه المخطوطة القصيرة والمتواضعة أن نذكرها جلها ولكن سنشير لبعض وأهم المحطات بهذا الخصوص ما أمكن من ذلك سبيلا.

ومن تلك الأمثلة لا الحصرخدمته للمنبر الحسيني والتي ناهزت سنواتها أكثر من ستين عاما، وكان مثالا يحتذى في الإخلاص والتفاني والمثابرة والعطاء. أضف إلى ذلك ومن نعم الله عليه خدمته لحجاج وضيوف الرحمن والتي امتدت خمسين عاما. عمل خلالها مرشدا، وموجها، ومعلما. وكان قريبا وعلى مسافة واحدة من الجميع بأخلاقه وسلوكه وتواضعه وطيب معشره بل كان أبا حنونا عطوفا خدوما وإنسانا حكيما مؤمنا زاهدا يحمل في داخله حميد الخصال وأروع الصفات. وكان يولي اهتماما بالغا لحجاج بيت الله الحرام ولا يدخر جهدا فيما يرتبط بتلك الشعيرة العظيمة، ومايتعلق بها من تشريعات ومواقف وأحكام ومبادئ وقيم إلى أن ينهي تلك المناسك المقدسة أمام خالقه ومن تولى أمر إرشادهم وتوجيههم بكل ثقة وأمانة كما ينبغي من وفاء وصدق وإتقان.

وقبل أن ننهي الحديث أيها القراء الأعزاء ومن منطلق من لايشكر الخالق والمعبود لايشكر الخلائق والعباد لهذا نؤكد مهما كتب القلم من كلمات وعبارات ودونها من لطيف المفردات والمصطلحات وسجلنا مايشع ويضئ من المديح والمعاني والتسميات ولو وثقنا من المقالات وسردنا القصص والحكايات فحتما لن نستطيع أن نوفي هذه الشخصية المتفوقة والمتميزة على كل المضامين المحاطة بالمعاني الشامخة والفاخرة حقها؛ لما قدم وأفاض وأجاد من جزيل الفوائد والعطاءات خدمتة لمجتمعه ومايحويه من نساء ورجال. فحقيقة يعجز اللسان عن الشكر والعرفان أمام تلك المكاسب والمنجزات لمنهج رجل قضى عمره داعيا وواعظا وإماما في الجوامع وبيوت الرحمن ومربيا ومعلما بين أروقة مجالس الذكر والحسينيات واعتلاء المنابر والمنصات.

وختاما أيها الأحبة نقول الحمد لله رب العالمين اللهم أرفع درجته في أعلى عليين وأخلف على عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا رب العالمين اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين اللهم أنزله منازل الصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة. اللهم اغفر له وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين ولأهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان إنك ولي ذلك والقادر عليه.

إلى عفو الله ورضوانه أبا علي

إنا لله وإنا إليه راجعون وصل الله على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

السيد جهاد الهاشم كاتب ومعلم، حاصل على درجة الماجستير في الإعلام من كلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض، يجمع بين الخبرة الأكاديمية والممارسة العملية في مجال الإعلام والتعليم.