نهاية مثقف
أخذ يصرخ في وجهه ويعنّفه ويتذكر كلام صاحبه:
أيها الشيطان إلى متى ستظل غارقاً في بحر ملذاتك وأوهامك، تنصب الشراك وتحيك المكائد لاصطياد فرائسك.
امتدت يده إلى قنينة العطر وأخذ ينفث منها وهو ينظر إلى نفسه في المرآة مقهقهاً، تأكد من كامل أناقته، ثم أطفأ المصباح وغادر ولازال يقهقه.
أمضى قرابة الشهر وهو يحضّر لإلقاء ندوته، أبهر الحضور بأطروحاته الدقيقة وبراهينه القوية، وأثناء المداخلات، اختلف أحد الحضور معه في الرأي وطرح بعض الإستدلالات المنطقية التي عزز بها رأيه ولاقت إعجاب الحضور.عاد المثقف لمنزله وهو في قمة الغضب، تناول قلمه وكسره.
ثار غاضبا كعادته ما إن بدأت زوجته بالحديث، زجرها وكاد يضربها، فخرج من منزله،
وفي الطريق مرّ برجلين كانا جالسين، سارع بمصافحتهما مبتسماً ثم أكمل سيره
قال أحدهما: هنيئاً لزوجته فقد ظفرت بصاحب الخلق الرفيع.
ظلا يتراشقان
- يا شيعي
- يا سني
وفي ركن قريب كان يراهما رجل ذو ملامح غربيّة، قال في قرارة نفسه:
سيظل المسلمون يدورون في هذه الدائرة
ابتسم ابتسامة خبيثة ثم رحل.
قرأ في الصحف المحلية
لن يُسمح للمرأة بالعمل في الوظائف الحكومية أو الخاصة
أفاق منزعجاً من نومه، فرأى زوجته نائمةً بقربه، أخذ يحدث نفسه:
عجباً، تديرين منزلاً وتهتمين بشئون زوجك وتربية أبنائك على أكمل وجه ويستكثرون عليك مشاركة الرجل في مهنة لا تقارن بما تقومين به!
قبّل جبينها إجلالاً واحتراماً.
عاشت تاجاً على رؤوس أحبتها، تغمرهم بحنانها وعطفها، يجلّونها ويقدرونها.
فجأةً آثرت الراحة... فرحلت
وظلوا يقاسون مرارة الألم والرحيل.
ذهب لزيارة أخيه الستيني ليطمئن على صحته المتدهورة، أخذا يتبادلان أطراف الحديث فاختلفا في الرأي في مسألة حساسة بينهما، فاحمرّ وجهه وانتفخت أوداجه وغادر منزل أخيه غاضباً وأقسم أن لا يدخله مجدداً، مرت الأيام والشهور وهما في قطيعة، وبينما كان نائماً إستيقظ على صوت هاتفه الخلوي: عظم الله أجرك.
لم تغمض عيناه طوال الليل بعد أن أهانه أخوه الأكبر في منزله وبحضور أبنائه وقام بطرده وذلك لتعذره عن تنفيذ أمر أخيه بسبب انشغاله في العمل.
في اليوم التالي ذهب لمنزل أخيه وقبَل جبينه ويده وأهداه هدية وقدم له الإعتذار.
إنهمرت دموع الأخ الأكبر واحتضن أخاه الأصغر وطلب منه الصفح عن إهانته وأصر عليه أن يلبي دعوته له في العشاء سوية.
