الخطيب الحسيني أبو علي آل باقر منهج أخلاق
لقد نزل ذلك الخبر المؤلم وهو نبأ وفاة فضيلة الخطيب الكبير الحاج حسين بن الملا محمد آل باقر رحمهما الله نزول الصدمة علينا جميعًا، نعم إن رحيل هذه القامة الذي طالما كان خادمًا مخلصًا متفانيًا محبًا شغوفًا بخدمة المنبر الحسيني الشريف - هي فاجعة تهون دونها كل فاجعة، كما يعد رحيله خطبًا جسيمًا ونائبة عظيمة لقريته الطيبة المباركة خاصة ولقطيفنا المعطاء عامة. نعم لقد كان ذو مكانة عالية ودرجة اجتماعية مرموقة وشامخة، وقد أفنى جل عمره المبارك في البذل والسخاء وقد كانت يداه الكريمتان مليئة بالعطاء الوافر المستمر وكانت كلماته وفكره وتوجيهاته النيرة منهلًا ومنبعًا أخلاقياً وتربويًا مليئًا بالقيم السامية والمبادئ الأصيلة، ناهيك عن دوره البارز والفاعل تجاه تكوين الثقافة المجتمعية القائمة على الكثير من الأسس الأخلاقية والسلوكية، حتى باتت تلك المناقب من طبيعة شخصيته الحانية وصفة من إنسانيته المتميزة والمتفردة بخصال فاخرة وعالية.
فمنذ نعومة أظافري وكنت لا أتجاوز وقتها العاشرة من عمري كان نجله الأكبر الأستاذ علي آل باقر أبو حسين أخًا ورفيقَ درب وكذلك بقية أبنائه الموقرين فهم جميعاً إخوة أعزاء، عشنا في ذلك المنزل العامر الواقع في حلة محيش بجانب مسجد الشيخ عقيل، نعم تربينا وترعرعنا ونشأنا جنبا إلى جنب مع بقية أبناء العائلة الكرام في ذلك البيت المفعم بالورع والتقوى والالتزام وتلاوة كتاب الله وكان - رحمه الله - لا ينظر لي إلا كأحد أبنائه وأفراد عائلته.
لقد أفاض على الجميع - رحمه الله - بالكثير من الحب والحنان وبالرعاية والاهتمام وقد تعلمت من علو أخلاقه فيضًا غزيرًا من المواعظ والعبر وغيرها من تلك المحاسن الجمة بل وتجمعني مع الراحل الجليل مواقف لا حصر لها وخصوصًا بجوار بيت الله الحرام، فقد كان المغفور له - بإذن الله تعالى - مرشدًا دينيًا فذًا استثنائيًا لمناسك الحج لأكثر من خمسة عقود بجانب جدي لوالدتي وذكرياتي مع شخصه الطاهر عديدة ومديدة وعمرها ناهزت سنوات عمري وحتما ليس بمقدوري في هذه العجالة أن اختزل ذكريات أولها بداية طفولتي لهذا ليس للقلم أن يسطر بعد هذه الفاجعة العصيبة مآثر غنية عرف بها قُدِّس سره، كلين الجانب وجميل المعشر وحسن الخلق والبشاشة التي ترتسم دومًا على محياه ناهيك عن طيبه وجوده وكرمه وحنانه.
الحقيقة وفي كثير من الأوقات ما يقف فيها المرء عاجزًا عن التعبير عما يكنه بداخله من أحاسيس ومشاعر تجاه العديد من الظواهر ومما لا شك فيه أن هذا الحدث هو أحد المواقف الذي لا يستطيع اللسان أن يصفه أولًا: لما له من عواطف بمجملها شجية وحزينة وقاسية، وثانيًا: لما له أيضًا من خسارة عظيمة وجسيمة تجاه أهله وذويه وجميع خلانه ومن ينتمون لمجتمعه ومحبيه، ومهما جئنا بالمصطلحات وصففنا المفردات فلن نستطيع أن نوفي هذا الخطيب الفاضل والنبيل حقه من الاحترام والتقدير والمهابة والتبجيل.
وأخيرًا وليس آخرًا الله سبحانه وتعالى أسأل لروح فقيدنا العزيز ولأخيه الراحل عميد المنبر الحسيني سماحة الشيخ حسن آل باقر أبي محمد وجميع أسلافهم ولموتى المؤمنين والمؤمنات الرحمة والغفران والعفو والرضوان والصفح والإحسان، اللهم آنس وحشته، وارحم غربته، اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه وأرزقه الفردوس الأعلى، اللهم احشره مع محمد وآله الطيبين الطاهرين والصالحين والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.