واستذكار المصير
التهيئة الروحية لاستقبال الشهر الفضيل
تستقبل الأمة الإسلامية في الأيام القليلة المقبلة شهرا غاليا، وعزيزا تنتظره النفوس، وتتهيأ القلوب لإقباله. نعم ونقصد هنا شهر الله الأعظم نسعد بقربه، ونبتهج بوصوله، ونتبادل التهاني والتبريكات بهلاله.
والكل يأمل بلوغه، وحصد ثوابه وبركة لياليه وأيامه.
نعم سيبزغ علينا ذلك الضيف العظيم، وقد دنا وقت مجيئه حاملا معه شتى صنوف الخيرات، والثروات المقتنيات، وبشائر الرحمات الربانية؛ بما أودع الله سبحانه فيه من الثواب والهدايا الوفيرة.
ومثل هذه الأيام المعدودات يستوجب علينا التأهب والتهيؤ والاستعداد له بقلب سليم ونفس مطمئنة، حتى لا يمر منا دون استثماره بصورة تليق بقدسيته ومكانته عند الله جلت قدرته ومافيه من ليال رفيعة وسنية في ثوابها وأجرها كليالي القدرالتي تحمل في طياتها أجر ألف شهر مصداقا لقوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ «سورة القدر».
إن الله تعالى بعطفه وحسن تدبيره ولطفه يصطفي من مخلوقاته ما أراد وينتخب من بني آدم في المكان والزمان من يبتغيه ويرتضيه سبحانه.
ومن الشاهد على الأماكن؛: بيت الله العتيق في مكة المكرمة، وطيبة الطيبة التي تضم مقام سيد الخلق محمد بن عبدالله الرسول الأمين .
وهذان البلدان أفضل وأطهر بقاع المعمورة على الإطلاق. وأما المثال الآخر لأفضل الأزمان: هو ذلك الشهر المختار والمقدم على سائر الشهور والأيام شهر القرآن والغفران شهر القيام والصيام شهر الأدعية بالأسحار شهر المحبة والسلام وأيامه أحب الأيام عند الله الواحد القهار؛.
لذا كرمه الله تعالى وفضله على غيره واختصه بأمور ليست في بقية الشهور.
ففيه أنزل القرآن، وفيه هبط الوحي عل رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وبه عبادات مقترنة باسمه من العفو والرحمة والبركات ما ليس في غيره من الشهور طوال العام.
عزيزي القارئ هل استذكرت برهة كيف يمكن أن نتهيأ ونتحضر من الناحية النفسية والوجدانية والجسدية لشهر يحوي في طياته جمة فضائل ومناقب لاتحصى.
وفي هذه العجالة سنطوف جميعا من مرحلة إلى أخرى تجاه الاستعداد الأجود والأفضل لممارسة السلوكيات والأفعال المحمودة في خضم تلك الأيام في هذا الشهرالفضيل.
بدءا من تأطير ماهو مرجو من الأهداف الروحانية والتعبدية والدنيوية وحتى نصل للتعزيز الأمثل لعاداتنا السلوكية منها:
_ إبراز التكافل الاجتماعي وكثرة الصدقات وزيادة مد يد العون من البذل والعطاء وتلمس حاجات المعوزين والمحتاجين والشعور بمعاناة الآخرين وخصوصا من أهلك وذويك وهذا لن يتسنى تحقيقه إلا من خلال التخطيط السليم وهذا بطبيعة الحال لا يعني تعقيد الأمور بل على العكس تماما وهذا يهدف إلى تسهيل الروتين اليومي خلال تلك الليالي المباركة والتقليل من العشوائية والعمل على انتهاز مايمكن حصده واستثماره في سبيل عدم تشتت الفرص وضياع الوقت لكي نظفر ما أمكن بأكبر قدر متاح لنا من أن ننال ماهو منشود ورابح من محاسن تلك التجارة الرابحة مع رب العباد وهذا لاشك ولاريب فيه.
من المعروف أن جميع العلاقات بيننا نحن البشر معرضة لعامل الفراق والتوازن وهنا لا ضمان ويمكن لها أن تذهب وتندثر في أي وقت وكل المعاملات التجارية في واقع الحال بين الأفراد ليس لها معايير ثابتة وفي مجملها خاضعة للكسب والخسارة وهي عرضة أن تنتهي وتزول في أي وقت إلا ارتباطنا بالله عز وجل فإن العلاقات من هذا القبيل تتمتع بحبل مكين ووثيق والتجارة معه جل شأنه حتما متوجة بالربح الوفير ومكاسبها كبيرة وهي غيرخاضعة لأن نحصي مغانمها، ونهايتها دوما إلى مكاسب غزيرة وفوز ومكافآت إلاهية واسعة ورفيعة.
وفي الختام هناك سؤالا يطرح نفسه بشكل فطري في هذا المشهد المهيب ماهو المطلوب منا في هذا الشهر الكريم؟ نعم يجب أن نحمل في نوايانا هذا الجزء الخفي من أعمالنا وسلوكنا وتصرفاتنا وما يتضمنه في سرنا من الذنوب والتجاوزات وارتكاب المعاصي وأن نأخذه معنا بمجمله إلى دار ضيافة الله عز وجل لنطلب ونرجو ونلح من هذا الجواد الكريم الودود الغفور المتفضل أن يمحو كل هذه الهفوات والآثام، وأن يغفر لنا تلك الخطايا الجسام، وأن نعاهده على الصدق والتوبة والإخلاص وعدم العودة للخطيئة والإقلاع عن السيئات كما علينا أن نضع نصب أعيننا ساعة رحيلنا التي هي آتية لا محالة فأعمارنا تتسارع وأيامنا تتصرم ونهاية المطاف ستقبض أرواحنا وسنوضع في لحدنا الذي لانور فيه ولا أصحاب ولا زوجة ولا أولاد ولا مؤنس لوحشتنا ولا مسكن لروعتنا فقط أعمالنا أيها الإنسان قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. الشعراء «88 - 89» وقال الله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ السجدة. [11] .
اللهم نسألك العفو والعافية ونسألك التوبة ودوامها ونعوذ بك من المعاصي ومغرياتها اللهم بلغنا شهر رمضان، وارزقنا فيه الأجر والثواب. اللهم متعنا بالصحة والعافية. اللهم بلغنا ليالي القدر. اللهم أحسن خواتمنا. اللهم بارك في أبنائنا واحفظهم وسدد خطاهم. اللهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا، واجزهما بالإحسان إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا.
وكل عام وقيادتنا وشعبنا وأمتنا الإسلامية وجميع من يعز علينا بخير وصحة وعافية.