شهر رمضان والتغيير الإيجابي
قال تعالى: ”شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ“ «البقرة: 185».
رحلة نحو التغيير
ماذا أعددت لهذا الشهر المبارك؟ هل وضعت خطةً تسعى من خلالها إلى التغيير الإيجابي؟
إن شهر رمضان ليس مجرد أيام معدودة نصومها ونؤدي فيها العبادات، بل هو فرصة ذهبية لتجديد الذات، وإعادة بناء الروح، والانطلاق نحو مستقبل مشرق بالتغيير. فهو شهر تتنزل فيه الرحمات، وتحفّه الأجواء الإيمانية التي تهيئ الإنسان لإعادة ترتيب حياته، واكتساب طاقة روحية جديدة، شرط أن يحسن استثمار هذا الموسم الرباني.
المحيط الإيجابي: طاقة جماعية ملهمة
حين تحيط بك بيئةٌ مفعمة بالتغيير الإيجابي، تجد نفسك مدفوعًا للسير في ذات الاتجاه. ورمضان هو النموذج الأمثل لهذه البيئة، إذ تنشغل القلوب بالذكر، وتتوحد الأرواح في الطاعة، ويسود المجتمع جوٌ من السكينة والمغفرة.
وقد ورد عن رسول الله 
قوله: ”ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده“. «1»
إنه نمط اجتماعي فريد، يبعث في النفس شعورًا بالسكينة ويمنحها دفعة نحو السمو والرقي.
التحفيز على العطاء: أجر مضاعف وخير متجدد
قال رسول الله : ”أيها الناس، من فطّر منكم صائمًا مؤمنًا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه“. «2»
في هذا الشهر، لا يكون العطاء محصورًا في الزكاة أو الصدقة فقط، بل يمتد ليشمل كل عمل صالح، حيث تضاعف الأجور، وتفتح أبواب الرحمة لكل من أراد اغتنام الفرصة.
التكرار لبناء العادات: شهر التدريب الروحي
روي عن الإمام علي 
أنه قال: عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء، فأما الدعاء فيدفع عنكم البلاء، وأما الاستغفار فيمحي ذنوبكم" «3»
يؤكد علماء النفس أن التكرار هو مفتاح بناء العادات، إذ يحتاج الإنسان إلى مدة تتراوح بين 6 و21 يومًا لاعتياد سلوك جديد. فما بالك بشهر كامل يُعيد تشكيل العادات والسلوكيات؟
القرآن، الأدعية، الصلوات، وأعمال الخير تُمارس يوميًا في رمضان، فتترسخ في النفس، وتصبح جزءًا من حياة الإنسان حتى بعد انقضاء الشهر. لذا، لا تقتصر على العبادات فقط، بل أضف إلى يومك شيئًا جديدًا: قراءة كتاب، الاستماع لمحاضرات ثقافية، أو حتى تعلّم مهارة مفيدة.
شهر النشاط والفاعلية: لا مجال للكسل
رمضان ليس شهر الكسل والخمول، بل هو شهر الإنجاز والقوة. جاءت في أدعية الشهر الكريم كلمات تعبّر عن روح العزيمة والإصرار:
"اَللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، واَذْهِبْ عَنّي فيهِ النُّعاسَ وَالْكَسَلَ وَالسَّامَةَ وَالْفَتْرَةَ وَالْقَسْوَةَ وَالْغَفْلَةَ وَالْغِرَّةَ،.. اَللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَارْزُقْنا في شَهْرِنا هذَا الْجِدَّ وَالاجْتِهادَ، والْقُوَّةَ وَالنَّشاطَ، وَما تُحِبُّ وَتَرْضى، «4»
قاوم التعب بالغذاء الصحي، ومارس الرياضة في أوقاتها المناسبة، وابتعد عن السهر الطويل الذي يسرق منك طاقتك ونشاطك لليوم التالي.
كسر الروتين: كن متجددًا كل يوم
يقول الإمام الصادق : ”لا يكون يوم صومك كيوم فطرك“. «5»
الروتين المملّ يطفئ جذوة الإبداع، ويجعل الأيام متشابهة لا روح فيها. لذا، حاول أن تجعل يومك مختلفًا عن سابقه، ابتكر لنفسك أنشطة جديدة، اجعل عبادتك أعمق، تفاعل مع من حولك، واخلق لحظات مميزة تترك أثرًا في نفسك وفي الآخرين.
التطلع لإنسان جديد: روح نقية وبداية مشرقة
قال رسول الله : ”سلوا الله ربكم بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم“. «6»
رمضان ليس مجرد محطة زمنية، بل هو مدرسة روحية تهدف إلى تخريج إنسان جديد، نقي القلب، متحرر من الأوزار، متطلع إلى حياة مشرقة بالخير والنقاء.
الصبر وقوة الإرادة: دروس عظيمة في الانضباط
ورد عن الإمام الصادق في تفسير قوله تعالى: ”وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ“ «البقرة: 153»، أنه قال: ”يعني بالصبر الصوم“. «7»
الصيام يعلمنا ضبط النفس، والتحكم في الشهوات، والصبر على الطاعة، حتى نصل إلى مقام الذين قال الله عنهم: ”إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ“ «الزمر: 10».
ختامًا: اجعل رمضان نقطة تحول
لا تدع رمضان يمر دون أن يترك أثرًا في نفسك، كن ذلك الإنسان الذي يخرج منه بروح أنقى، وإرادة أقوى، وعادات أفضل. فالتغيير لا يحتاج إلى قرارات عظيمة، بل يبدأ بخطوات صغيرة، تتكرر يومًا بعد يوم، حتى تصنع منك شخصًا جديدًا، مستعدًا لحياة أكثر إشراقًا.
