رفقًا بالمرضى

كان الشاب يحدثني عن أبيه بصوت مليء بالتقدير والحنان. قال: ”إن أبي يراجع هذا المستشفى منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ينتقل من عيادة إلى أخرى. بدأ بعيادة السكري، ثم عيادة العيون، فالأعصاب، وانتهى بغسيل الكلى. الكثير من الأطباء هنا يعرفونه“.

نظرت إلى والده، فرأيته رجلًا وقورًا هادئًا تبدو عليه علامات التعب والإرهاق. شعرت بقلبي يهمس: ساعدك الله وعافاك، يبدو أن المرض قد أثقل كاهلك.

سألت الابن: ”كم يبلغ والدك من العمر؟“

أجاب مبتسمًا بفخر: ”85 عامًا، حفظه الله لنا.“

قلت: ”نعم، ربي يحفظه. إنه بركة في حياتكم. كونوا قريبين منه واستفيدوا من وجوده بينكم.“

رد الابن: ”بالتأكيد. إنه حقًا بركة، وسعادة منزلنا. أتصدق أننا نشعر بالفرح عندما يمازح أطفالنا؟ والدي يعشق الأطفال، يفرحهم بهداياه البسيطة ويزرع الابتسامة على وجوههم. رغم مرضه، خصص ليلة أسبوعية لاستقبال الأصدقاء والأقارب، ورغم تعبه، يجلس بينهم وكأنه لا يعاني شيئًا.“

قلت: ”ما شاء الله، هنيئًا له هذه الروح الجميلة والمحبة الصادقة.“

ثم أضاف الابن: ”حتى عندما يذهب لمركز غسيل الكلى، ننشغل بالقلق، وكأننا نخشى فقدانه. لكنه يذهلنا دائمًا بابتسامته وروحه المرحة. يدخل المركز والابتسامة تملأ وجهه، يسلم على الجميع، المرضى والكادر الطبي، وينشر البهجة حيثما كان.“

نظرت إلى الأب فرأيته يحرك شفتيه بهدوء. سألت ابنه: ”ماذا يقول؟“

رد الابن: ”إنه دائم الذكر، لا يترك لسانه من التسبيح.“

قطع حديثنا صوت الأب يقول: ”تأخر الطبيب، يا ولدي.“

رد الابن بابتسامة هادئة: ”سيأتي يا أبي، لا تقلق.“

انشغلت بتصفح الرسائل الصباحية، وكانت إحداها تقول: ”كن على ثقة بالله تعالى وأحسن الظن به، واجعل قلبك معلقًا به، واذكره كثيرًا حتى تعيش سعيدًا ويطمئن قلبك.“

لحظات وسمعت الابن يقول: ”ها قد جاء الطبيب يا أبي.“

فرح الأب وقال: ”الحمد لله. سأخبره عن هبوط السكر الذي أشعر به وأستفسر عن نتائج الفحوصات الأخيرة.“

ولكن الأمور لم تسر كما كان يتمنى الأب. خرج الابن من عند الطبيب بوجه حائر، وقال لوالده: ”علينا أن نعود يا أبي، موعدنا تأجل.“

سأل الأب بحزن: ”إلى متى؟“

أجاب الابن متلعثمًا: ”بعد سنة.“

ردد الأب بصوت مكسور: ”موعدي بعد سنة؟“

في تلك اللحظة، نظرت للطبيب بحزن وقلت في نفسي: كيف لم تترفق بهذا الرجل العجوز؟ ألم ترَ شوقه لمقابلتك؟ لقد كنت أمله الوحيد اليوم، لكنك بددت هذا الأمل بكلمات باردة.

أيها الطبيب: تذكر أن المرضى لا يحتاجون دائمًا إلى الأدوية والعلاجات الكيميائية. أحيانًا يحتاجون فقط إلى كلمة طيبة، ابتسامة صادقة، أو لمسة حنان تخفف عنهم الألم. مهما كانت مسؤولياتك كبيرة، تذكر أن الرحمة هي جوهر عملك. كن عونًا لهم، فالرفق بالمرضى عبادة وسلام للروح.

أخصائي التغذية العلاجية