إنها تحب الحسين (ع)
عن أبي عبد الله قال من أراد الله به الخير قذف في قلبه حب الحسين وحب زيارته.. [1]
حب الحسين، كان نبضًا يسري في عروق والدتي الغالية، روحًا تمتزج بكيانها وتتشرب تفاصيل حياتها. عاشت مع الحسين بكل جوارحها، وكأنها جزء لا يتجزأ من تلك الملحمة الخالدة. كنت أراها تنتقل من مجلس حسيني إلى آخر، تُحيي ذكرى الإمام بكل شغف وإخلاص، تُنفق شبابها ووقتها في خدمة هذا الحب الذي لم يفارقها حتى آخر لحظة من حياتها.
كانت والدتي تمتلك مكتبة صغيرة مليئة بالكتب الرثائية التي تُحيي بها ذكرى مصيبة الحسين وأهل بيته . كانت تقرأ تلك النصوص بنبرة مفعمة بالحزن، تُنقل من قلبها إلى قلوبنا. طلبت مني يومًا أن أنقل لها بعض الكتب الحسينية بخط يدي، وكأنها تُريد أن أكون جزءًا من تلك الخدمة المقدسة. وعندما كنت أعود من المجلس الحسيني، كانت تسألني بحماس: ”ماذا قرأ الشيخ اليوم؟“ ثم تصحح لي أي معلومة قد أكون أخطأت فيها، مُثبتة أن حب الحسين ليس مجرد شعور، بل معرفة وسعي للفهم.
مع مرور الوقت، كانت والدتي تتفانى أكثر في خدمتها للحسين. كانت تُعد الشاي والقهوة وتُجهز كل ما يحتاجه المجلس الحسيني، دون أن تظهر عليها علامات الكلل أو التعب. كانت تدرك أن هذه الخدمة ليست فقط عملًا بل سبيلًا إلى رضا الله وثواب لا يُقدر بثمن.
وفي السنوات الأخيرة من حياتها، كتب الله لها زيارة الإمام الحسين في الأربعين. عندما عادت من تلك الرحلة المليونية، امتلأت أحاديثها برائحة الشوق والذكرى. أخبرتني عن تلك اللحظات وكأنها عاشت الجنة على الأرض، وحثتني على أن أعيش هذه التجربة في يوم من الأيام. وبعد عام، كُتب لنا زيارة الحسين في عرفة. كنت أرافقها إلى الحرم، أراها تسير وكأنها تسابق الزمن لتلحق بحبيبها.
كنت ألتقط صورًا معها بابتسامتها الهادئة، ولم نكن نعلم أن تلك الصور ستصبح ذكرى الزيارة الأخيرة. في يوم وداع الحسين، ذهبت معها ومع والدي. رأيت دموعها تسيل وهي تودع الإمام، وكأنها تُودع جزءًا من روحها. همست بصوت متهدج: ”اللهم لا تجعلها آخر العهد من زيارتي للحسين.“ لم تكن تعلم أنه الوداع الأخير.
كان وداعها للحسين وكأنه وداع للحياة نفسها. سيدي يا حسين، أمي أحبتك حبًا خالصًا، فلا تخيب رجاءها، وكن شفيعها يوم القيامة.
رحم الله من قرأ سورة الفاتحة واهدى ثوابها إلى روح والدتي الغالية الحاجة «نجاح» فاطمة ابراهيم العسيف أم رضي