رفقا بهم

دخل رجل عجوز إلى البقالة بخطوات ثقيلة وعينين تحملان ظلال الحيرة. حمل سلة التسوق، وبدأ يملؤها بالمواد الغذائية، قطعةً تلو الأخرى، ثم ما يلبث أن يعيدها إلى الرفوف. استمر على هذا الحال ساعة كاملة، عيناه تتنقلان بين السلة والرفوف وكأنهما تبحثان عن شيء مفقود.

  • اقترب منه العامل بعد أن لاحظ ارتباكه وقال بصوتٍ مليء باللطف:

”عمي، هل تحتاج مساعدة؟ أراك منذ مدة تملأ السلة ثم تعيد الأغراض. هل تحتاج معرفة الأسعار؟ أم تبحث عن شيء خاص؟“

نظر الرجل إلى العامل، وعلامات الارتباك واضحة على ملامحه، ثم قال بصوتٍ خافت وكأنه يعتذر:

”لا أعرف ماذا أشتري. طلبوا مني أن أذهب إلى البقالة، لكني نسيت ماذا كانوا يريدون.“

استغرب العامل وسأله:

”لماذا لم تأتِ مع أحد أولادك ليساعدك؟“

هزّ الرجل رأسه ببطء وقال:

”لا أعلم...“

رد العامل باقتراح:

”إذا كنت لا تعرف ماذا ستشتري، لماذا لا تتصل بأحدهم ليخبرك عن المطلوب؟“

صمت الرجل لوهلة ثم قال بأسى:

”لا أعرف أرقام هواتفهم.“

حاول العامل أن يجد حلاً فقال:

”في هذه الحالة، عُد إلى البيت واطلب من أحدهم أن يأتي بنفسه لشراء ما يريد.“

وضع الرجل السلة جانباً وغادر البقالة، لكن سرعان ما عاد بعد لحظات وقال للعامل بقلقٍ شديد:

”لم أجد سيارتي.“

اندهش العامل وسأله:

”أين أوقفتها؟“

رد العجوز:

”أعتقد أنني أوقفتها أمام البقالة.“

تفحص العامل المكان وقال:

”لكنني لم أرَ أي سيارة متوقفة منذ أن دخلت.“

توقف العجوز قليلاً وكأنه يحاول استرجاع ذكرى ضبابية، ثم قال بصوتٍ خافت:

”أظن أن أحدهم سرقها.“

شعر العامل بالحيرة وقال:

”لا تقلق، سأراجع تسجيلات كاميرات المراقبة. إن كانت سيارتك مسروقة، سنعرف من أخذها.“

جلس الرجل العجوز على مقعد قريب بينما بدأ العامل يراجع التسجيلات. فجأة، اكتشف العامل شيئاً مذهلاً: الرجل العجوز لم يصل إلى البقالة بسيارة أصلاً.

في هذه الأثناء، دخل شاب إلى البقالة، وصاح بصوتٍ مرتفع:

”أبي! أنت هنا؟ نحن نبحث عنك منذ الصباح! لماذا لا تبقى في المنزل؟ ألا تدرك كم أتعبتنا؟“

ثم التفت الشاب إلى العامل وقال معتذراً:

”آسف على الإزعاج. والدي مصاب بالزهايمر. شكراً لصبرك معه.“

غادر الرجل مع ابنه، تاركاً العامل يتأمل المشهد بقلبٍ مثقل بمزيجٍ من الشفقة والأسى...

همسة

رفقا بمرضى الزهايمر..

ارحموا ضعفهم ونسيانهم ولا تبخلوا عليهم بالكلمة الطيبة قبل أن تتجمد تلك الابتسامة ولا يسعكم رؤية محياهم مبتسم.

أخصائي التغذية العلاجية