فكر كقائد
المقدمة
يمكننا التأكيد وبدون أي مواربة، أن ليس ثمة فعالية، أو كفاءة إنتاجية مرتفعة الا بتوفر مديرين مؤهلين، ومتمرسين، وذوي خبرة، يمتلكون رؤية واضحة، وقدرة على التخطيط الاستراتيجي واتخاذ القرارات الحاسمة، وذلك لان الإدارة الفعالة، تشبه الى حد كبير دور القلب وتأثير الدماغ في جسم الانسان، حيث أن ”القلب كمصدر للطاقة والمحرك الأساسي“ والدماغ كمصدر للرؤية والتخطيط " وكما أن القلب والدماغ يعملان معا للحفاظ على حياة وصحة الانسان، فأن الإدارة الفعالة تتطلب تكاملا بين التخطيط الاستراتيجي، والتنفيذ العملي لضمان تحقيق النجاح والانسجام في المنظمة، ومن هنا تتضح أهمية اختيار المدراء القادة بعناية فائقة، ليكونوا من الذين يرون في كل تحد فرصه، وفي كل فشل درسا، وفي كل نجاح مسؤوليه، وهؤلاء هم الذين لا يقتصر دورهم على تنفيذ الأوامر، أو التعليمات، أو تحقيق الأهداف التقليدية، أو المادية، بل يتميزون بفهمهم العميق للواقع، ولدورهم القيادي المؤثر على تحسين الأداء المؤسسي، وعلى الهام الافراد، وتحفيزهم لتحقيق الأهداف المشتركة بفعالية، وفي المقابل نجد مديرون يتعاملون مع العمل بروتينية جامدة أو روتينية صارمه، ويفضلون تجنب المجازفة أو التحلي بالجرأة في اتخاذ القرارات المصيرية خوفا من الفشل، أو المخاطرة أو غير ذلك، وينحصر دورهم في تنفيذ المهام اليومية فقط دون التطلع الى الصورة الأكبر، أو استيعاب الرؤية الشاملة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا
ما الذي يجعل البعض من المديرين يحققون نجاحا لا فتا، ويرتقون بموظفيهم أو مؤسساتهم الى القمة بينما يظل الاخرون عالقون في دوامة التحديات؟!
وما هي الفروق الجوهرية التي تميز هؤلاء القادة الناجحين في التفكير، واتخاذ القرارات الحاسمة عن غيرهم؟!
بالطبع لا يمكننا تقديم إجابات دقيقة، وشافيه على هذه الأسئلة المثارة، لانها ببساطة شديدة تحتاج الى استضافة خبراء ومتخصصين في القيادة الإدارية، ومدراء من قطاعات متنوعة، ولكن وبصفتي دارسا، ومهتما بالشأن الإداري يمكنني تسليط الضوء على بعض الاضاءات والنقاط التي نراها ضرورية لمعالجة أسباب، وعوامل، القصور في الأداء الإداري، وكما يقال ”تشيخ الشجرة وتذبل من رأسها“ وكذلك هي السمكة المتعفنة لا يظهر تعفنها الا اذا تمعنا في رأسها "
وللأجابة على هذه الأسئلة لابد أولا: من التعرف على معنى الإدارة، ومن هو المدير، وما هو الفرق بين المدير والقائد؟!
الإدارة لغويا: من الفعل يدير بمعنى يدبر، ويوظف، ويستخدم، ويحرك، ويقتصد، ويوجه، ويرشد، ويسوس، واصطلاحا: أن تعرف بالضبط ماذا تريد، ثم تتأكد من أن الافراد يؤدون العمل بكفاءة وفعالية وهناك من قال بأنها تعني: عملية تنبؤ، وتخطيط، وتنظيم، ومن ثم القيام بالتوجيه والمراقبة، وهناك من قال بأنها وظيفة تنفيذ الأشياء عن طريق الاخرين، وهناك من قال بأنها تعني: علم وفن إدارة الموارد لتحقيق الأهداف المطلوبة. وقد عرفها المفكر د ر كر بالعمود الفقري لأي مؤسسة، ووظيفتها إدارة العمل بنجاح، وتفوق، وهناك العديد من المدارس الفكرية والعملية التي قدمت مفاهيم، وتعريفات للإدارة، ولكن الأركان والقواعد واحده
أما عن من هو المدير: فهو مصطلح يشير الى الشخص الذي يدير الأفراد والموارد في احدى الأقسام أو الإدارات أو الفروع أو المواقع.... أو حتى الذي يدير المنظمة ككل. كصنع القرارات، والتخطيط، والتنظيم، والتوجيه والرقابة، وذلك لتحقيق اهداف المنظمة، اما تعريف المدير من وجهة نظر المفكر بيتر د ر كر فهو: الشخص الذي يعطي الحياة للمؤسسة، وهو عقلها المحرك، وقلبها النابض، اذ أنه يفكر بالعمل ومن ثم يدفع العاملين بالطاقة للتنفيذ
أما عن الدور: فهو مجموعة الأنشطة، والسلوكيات، التي يتوقعها الاخرون من الفرد المسؤول كممارس لهذا الدور، ولكل فرد منا مجموعة من الأدوار في الحياة والعمل، منها دوره كابن، وزوج،، وأب... ودوره كموظف أو زميل أو رئيس أو مدير
ثانيا: العوامل، والأسباب التي تميز المديرين الناجحين عن غيرهم
غالبا ما يبدأ الانسان بتقليد من حوله، وخاصة والديه، ومع الأيام ينتقل الى تقليد أصحابه وأساتذته ثم الى تقليد الرموز الذين تعرف عليهم، وعلى رأسهم القادة «كما تثبت الدراسات» وذلك لما تتركه هذه الرموز أو النجوم أو القادة من بصمات على من يقتدي بها، ويقلدها، وقد نرى هذا جليا وواضحا في الصعيد الاجتماعي وبالخصوص على فئة الشباب والفتيات، وبالانتقال الى بيئة الاعمال نرى أن هذه الحالة بارزه، وواضحة بين المدراء، والموظفين فالمدير الذي يتمتع بصفات القيادة الملهمة، والقدرة على أن يكون قدوة حسنة غالبا ما يحقق نجاحا لا فتاو يثير الاعجاب، ويلهم الاخرين للسير على خطاه، ويتمكن من دفع عجلة الإنتاج الى الامام، ويحقق نقلة نوعية في الأداء والابتكار، ومن ابرز هذه العوامل أو الأسباب
1 - المعاملة بالعدل والاحترام: فالقائد ينبغي أن يكون عادلا في معاملته للجميع باحترام، فالمرؤوسون سرعان ما يكتشفوا أن كان قائدهم يعاملهم بنفس الطريقة التي يعامل بها أعضاء مجلس الإدارة أم لا، وان كانت نتيجة هذه الملاحظة ب ”لا“ فأنه بذلك " أي القائد المدير سيقتل فيهم روح التحفيز، واغلب الظن أن هذا النمط من القادة سيجد نفسه بعد فترة معزولا عن مرؤوسيه
2 - البدء في العمل الجاد: فالقائد المدير يعلم مرؤوسيه العمل المطلوب إنجازه، ثم يفسح لهم المجال لا نجاز ذلك العمل، فأصحاب البصيرة النافذة لا ينتقدون مرؤوسيهم اذا ما ارتكبوا هفوة، وعندما تظهر مشكلة ما، فأنهم يشيرون لها فقط تاركين أمر مراجعتها لهؤلاء المرؤوسين
3 - الانكار الصادق للذات: فالقائد المدير يوظف الذين يفوقونه في الذكاء، ويطلق هالة من التعظيم للاعمال التي تنجزها أيادي المرؤوسين الموهوبة، وحتى يكون المدير قائدا جيدا، عليه أن يكون مطمئنا بما فيه الكفاية لتوظيف الأفضل، وأن يعمل جهد طاقته على الاحتفاظ بالنوابغ ضمن فريقه، حتى لو كان هذا يعني أن هؤلاء النوابغ سيتبؤون يوما مناصب اعلى من منصب المدير القائد الذي كفلهم بالرعاية والإرشاد
4 - التطوير المستدام للأداء: فالقائد المدير يطور أداء مرؤوسيه لكي يكونوا قادرين على أداء عمل المدير، وهذا يعتبر مكسب مزدوج للطرفين ”المدير والمرؤوسين“ لان القادة الكبار يعلمون علم اليقين انهم قد يفقدوا فرصا كبيرة اذا لم يكن هناك في مجموعة العمل من له القدرة على القيام بأعمال المدير، وفي الوقت نفسه يعتبر تدريب لمرؤوسيه، واعدادهم للأعمال الكبيرة، وهي اكبر وسيلة للتحفيز الفعال
5 - القدرة على استشراف المستقبل: ويعني أن يكون للمدير القائد القدرة على التنبؤ بالتغيرات والاتجاهات المستقبلية بناء على تحليل دقيق للبيانات، والمعلومات الحالية، ورؤية شاملة للمستقبل
6 - أن يمتلك الحماس نحو تحقيق التميز في الأداء، والسرعة المتقدمة في التنفيذ، والكراهية العميقة للبيروقراطية، وأن يتمتع بالثقة المتناهية بشخصه، وقدرته على التأثير في اتباعه مع التحلي بروح الانفتاح للحوار، وقبول الراي الاخر بكل تواضع، والاخذ به ان تبين صلاحه، دون أي اعتبار لكون ذلك الراي قد صدر ممن هو أقل منه رتبة في الوظيفة
ثالثا: أن ما ينبغي على المدير معرفته لمواكبة التغيير، والنجاح، والتميز، والريادة، وتطبيق استراتيجية التفكير كقائد في المؤسسة الخاصة او العامة، والنهوض بها وبالموظفين، لتحقيق الأهداف المرجوة، هو التفريق بين المدير والقائد، فالأول يستمد سلطته وصلاحياته من وظيفته، أي من التنظيم الرسمي القائم، فهو مفروض على المجموعة، ومن هذا المنطلق يصدر تعليماته وتوجيهاته، واوامره، التي يقول أنها ملزمة والا تعرض من يخالفها الى الجزاء المنصوص عليه من اللائحة التنظيمية، بينما الثاني فيستمد سلطاته، وصلاحياته، ومن ثم قوته من المجموعة نفسها ومن ارتباطها، وولائها، والتفافها حوله، واحترامها له، ثم من اعترافها واقتناعها به، ومن ثم ثقتها فيه، وهذا طبعا لا يأتي بالفرض أو من فراغ
رابعا: أن للقيادة جانبان هما جانب مادي عملي يتمثل في شخصية القائد، وقدرته، ومعرفته، وخبرته سواء في العمل أو في أصول الإدارة، أو في أصول القيادة، وجانب أخر سلوكي يتمثل في سلوكياته من ناحية، واسلوبه ومنهجه في العمل مع العاملين، ورؤيته، ونظرته، واحساسه بمشاعرهم، ثم قدرته في التأثير عليهم
خامسا: أن للمدير عدة أدوار وليس دورا واحدا كما هو ممارس، فمن ناحية له دوره الإداري الذي يتمثل في المساهمة في العملية الإدارية من تخطيط، وتنظيم، وتوجيه، ورقابه، ومن ناحية أخرى له دوره، الذي يمثل فيه المنشأة في مواقف معينة سواء امام العاملين، أو امام الغير، ومن ناحية ثالثة له دوره في تكوين العلاقات الافقية مع نظرائه في المنشأة، أو خارجها، ومن ناحية رابعة له دوره في الإعلام كمتابع، وناشر أو، ناقل للمعلومات بل ومتحدث رسمي، كما له دوره في اتخاذ القرارات في مجالات متعددة، وكمعالج للمشاكل، وحل الخلافات داخليا وخارجيا، وكذلك دوره في ترشيد استخدام الموارد البشرية، والمادية والتطوير والاضافة واذا اتسم المدراء بهذه الأدوار كما تعرضنا لها بشيء من التفاصيل، فأنهم بلا شك سيحققون أهدافهم المرجوة وسيساهمون في الرقي بالموظفين، والمؤسسة ككل
وفي نهاية المطاف يمكننا ان نقول ان الفكر القيادي هو القدرة على تجاوز المألوف، وكسر قيود التقليد وصياغة مستقبل مختلف، فالمدير المميز أو المدير القائد هو: الذي يفكر كقائد، ويدرك أن النجاح ليس وجهة بل رحلة مستمرة، نحو التميز في عالم يتحرك بسرعة الضوء، ولذا فقد آن الأوان أيها المدير، لتفكر كقائد، يملك الشجاعة، والابتكار، والقدرة على التكيف، والتغيير، وليس كمجرد مدير أو مسؤول في مؤسسة أيا كان نوعها، وشتان ما بين المدير القائد والمدير.