البشوات والتقوى وابن اللّبون

الأستاذ / حسن آل حمادة *

"السلام على أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» إذ يقول: «كن في الفتنة كابن اللّبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب».. آمل أن يتمثل «البشوات» في مجتمعنا حالة «التقوى» إن هم اختلفوا في طريقة العمل. والسلام على من يهتدي بهديهم".

السطور السالفة هي عبارة نقشتها على حائط صفحة «الفيسبوك«، بعد أن فرغت حينها من قراءة بيانٍ أصدره جمع من المعميين في المنطقة الشرقية، وعشت مع البيان عجبًا، وأنا أرى بعض الأسماء التي كنت أحسبها تستمع القول؛ فتتبع أحسنه! إلاّ إنها انساقت وراء الحالة العاطفية، بعيدًا عن لغة العقل؛ المتعالية على الخلافات الجزئية، فيما أحسب.

ولهؤلاء أقول: اتقوا الله في أنفسكم، وفي وحدة مجتمعكم. فنحن نؤيد وبقوة أن يكون في الساحة أكثر من صوت، ونترقب تبعًا لذلك بيانات تجمعنا وتحيلنا كالجسد الواحد؛ لتعقبها مشاريع جادة تتباين في طريقة تنفيذها. ولكننا، لا نرتضي ممن يتحدثون على أعواد المنابر بلغة الورع والتقوى: قولاً وعملاً، في حين نراهم يتسابقون في كرنفال التخوين وكيل التهم الفارغة للخصوم.

فالعمامة مسؤولية عظيمة، ومطلوب من أصحابها أن يكونوا أكثر وعيًا ورشدًا، وكنّا نترقب منهم أن يمدوا أيديهم لينتشلوا من سقط في الوحل، لا أن يلطخوا أنفسهم أيضًا، بإصدار البيانات المؤيدة أو المعارضة، التي ربما يكون ضررها أكثر من نفعها، في وضع يزداد غليانًا، لدرجة أصبحنا نخشى أن تجعلنا في وضعية أقرب لحالة الانفجار التي لا تبقي ولا تذر في نسيجنا الاجتماعي المتداعي في أساسه.

ويدفعني لهذا القول رؤية حسنة بالمعممين، إذ أخال أنهم يجمعون البذور بعناية، ثم يسقونها حُبًّا؛ لتطعمنا غذاءً، مختلفًا ألوانه؛ ليقوي جسدنا الاجتماعي الذي تنخره الحالة المرضية التي نعيشها.. هذه هي الصورة الحالمة التي أحاول الاحتفاظ بها عنهم. ولكن، الرياح تجري بنا في طريقٍ آخر، لتذرنا قاعًا صفصفا، لا نلوي على شيء!

ومما يبعث على الأسف أن نجد واقع الجماعات الدينية، وهي تكتوي بنار التناحر والقطيعة والفرقة! فيما نجدها تجتمع أسبوعًا تحت عنوان «أسبوع الوحدة الإسلامية»، في كرنفال أشبه بأسبوع الشجرة برتابته المعتادة! فيا للعجب!. فهل مطلوب منّا أن ننهش بعضنا بعضًا طيلة عام كامل! ثم بقدرة قادر نُزَيِّنُ مساجدنا وحسينياتنا بشعارات الوحدة امتثالاً لأمر «الولي الفقيه»؟ فهل نفهم الوحدة الإسلامية على أنها «إستراتيجية» أم «تكتيك»؟ وأي وحدة هذه التي لا تجمعنا مع من سبحنا معه في «رحم» مجتمع واحد؟

ولا أدري لماذا يزايد البعض منا على تمسكه بالإسلام «المحمدي الأصيل»، وكأنه في خط متساوق مع المعصوم؟ فيما نلحظ أن تعاليم القرآن الكريم والعترة الطاهرة، تشدِّد على أهمية التقدّم لتحصيل ملكة التقوى عند الإنسان الكادح في مسيره للعروج نحو عالم الإيمان الفسيح الذي لا يعرف للحزبية، والعصبية، والشقاق، وقذف المؤمنين، طريقًا.

فهل من التقوى والإيمان التعدِّي على حرمات المؤمنين وعرقلة مسيرهم، بعملية مقصودة تُخلط فيها الأوراق؛ لتحصيل عدد من المصفقين والمطبلين، الذين لا يجيدون عملاً أكثر من حالة الفُرجة وهم في منصاتهم العُليا يتضاحكون؟

متى سيتحمل كل منّا مسؤوليته في التبشير بقيم الخير؟

متى سنجتمع تحت مظلّة «القرآن والعترة» التي تصعد بنا نحو السماء، بعيدًا عن العناوين الأخرى التي تغرسنا في الأرض؟

متى سنتعلّم أن نختلف مع بعضنا بمحبة، بعيدًا عن لغة الغالب والمغلوب؟ فالساحة تسع الجميع، وليس بمقدور جهة أن تتسيَّد المشهد الديني والاجتماعي، وإن وجدت من ينفخ في أسهمها ليلاً ونهارًا. وثقوا أن نار التخوين والتهريج ستحرق- بل حرقت- بشررها كل أصحاب العمائم: السوداء والبيضاء والمنقطة، فهذا عميل، وذاك متخاذل، والآخر ضال، والرابع مضل!

فهل يدلني أحدكم على ابن اللّبون الذي أراد منّا أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» أن نتمثلّه؟ لكيلا نغرق في «مستنقع الفتنة» عبر بوابة حروب التسقيط القذرة التي تلّطخ أجسادنا، ونحن نحسب أنفسنا نُحسن صنعًا.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 6
1
منصور المرهون
[ القطيف - القطيف ]: 28 / 6 / 2010م - 6:07 ص
و كأنك نطقت ما يخالج القلب من الاسى و القهر على مجتمع يدعي أن أهل البيت (ع) قدوته ..فتراهم يتحاصدون بعضهم البعض .
ابتدئنا بتكريم القاضيين المأفونين .
و انتهينا بتكريم ولائمي لشيخ تكفيري .
و خرجنا بمجتمع ينهش بعضه البعض .
2
محب القطيف
[ ام الحمام - القطيف ]: 28 / 6 / 2010م - 7:06 م
موضوع مهم وحساس للفاية فمجتمعنا اصبح اليوم هو احوج الى تطبيق نظرية الامام الشيرازي في الولاية وهي شورى الفقهاء 00


مجرد رأي
3
حيدري
29 / 6 / 2010م - 6:32 م
أخي الكاتب الجميل

هل السكوت والتفرّج على الباطل هو الحل بزعمك ؟!

ألم يكن استضافة وتكريم أولئك التكفيريين إذلالاً لنا نحن أهل القطيف !!

وقد أذلتنا بعض العمائم التي استقبلت أمثال هؤلاء الظالمين ودعتهم إلى وليمة الغداء في بيتها واعتذرت لها !!

أليس كلّ ذلك تحقيرًا لمشاعر المجتمع والطائفة ؟!!!

فما بال عمائم التكريم والضيافة تستقبل الجلادين وتنحني لها ؟!!

أمّا أنا فأقول : إنَّ البيانات التي أصدرها المشائخ ردا على المتخاذلين هي عين الصواب !

واعلم دائما أنّه (( حقّ يضرّ خيرٌ من باطـل يسرّ ))

(( ومن رأى منكم منكرًا فليُبَدِّلْه ))
4
كربلائي
[ أم الحمام - القطيف الموالية ]: 30 / 6 / 2010م - 4:38 ص
الأستاذ حسن حماده
أشكرك على هذا المقال الهادف الذي يفوح منه الغيرة على هذا المجتمع وما أصابه من تناحر.
فالمجتمع يا عزيزي لا يعرف أبجديات الأختلاف ولكنه في الخلاف كالصقر المنقض على فريسته.
وهنا أسأل سؤال إلى أخي حيدري ما بال أصحاب البيانات الغيارى لم نرى منهم المواقف الصلبة في قضية أحداث البقيع فلماذا متخاذلي الأمس أصبحوا الغيارى اليوم أم نحن صقور على بعضنا نعامة أمام الآخرين.
ولماذا هذا البيان لم يأتي في بداية الحدث وجاء بعد هذه المدة أسألة كثيرة من حقنا أن نسمع الردود عليها.
هذا مع العلم أنه يوجد عندنا وجهت نظر ضد التكريم المشؤم الذي لا يرضى به من كان في قلبه غيره وحب للمجتمع.
وهنا أسأل أين البيان من المعممين الذين كرموا الظلمة.
أم من أستضاف في بيته أحد السلفيين مدان والآخرون أبرياء؟
5
محب الحق
[ ام الحمام - القطيف ]: 30 / 6 / 2010م - 4:27 م
بسمة تعالى :


الى حيدري

لو سمحت اسأل من وقع البيان الاول لمادا استضافوا الشيخ صالح الدرويش في السابق ؟؟؟


ارجو الاجابة بعد السؤال



لو يمكن باءهم تجر وباؤه لا تجر
6
حيدري
1 / 7 / 2010م - 5:53 م
إلى الكربلائي

تقول (( وهنا أسأل سؤال إلى أخي حيدري ما بال أصحاب البيانات الغيارى لم نرى منهم المواقف الصلبة في قضية أحداث البقيع فلماذا متخاذلي الأمس أصبحوا الغيارى اليوم أم نحن صقور على بعضنا نعامة أمام الآخرين. ))

يا أستاذي الفاضل لا داعي لخلط الأوراق فنحن بصدد ( جريمة التكريم والاستضافة للتكفيريين )

ثم إننا لسنا في سباق أينا أفضل وأينا الأقل شأنا !!

نحن نقول : إن الاستضافة والتكريم لمن أساء لنا ولمذهبنا .. هي غهانة لنا جميعا ( فهل تختلف معي في الرأي يا كربلائي ؟ )

أما محاولة الدفاع عن المستضيف في منزله .. فلا أدري هل ما قام به يعتبر أمرًا مقبولا ؟!

نحن لا نسقط أحدًا من المشائخ لكن نقول إنهم مخطئون في عملهم ذاك !


على كل فنحن ( نختلف لكننا بودّ )
كاتب سعودي «القطيف».
عنوان مدونة الكاتب: http://www.elaphblog.com/hahamadah