كيف عاقب البريطانيون شيعة العراق

الشيخ فوزي السيف

فوجئ البريطانيون ـ عند شروعهم باحتلال العراق ـ بأمرين: كون الشيعة أكثرية سكانية، وهم كانوا يعتقدون أن الشيعة لم يكونوا سوى فئات قليلة أكثرها إيرانية الأصل، وقد تبين لهم بشكل واضح خطأ هذا التوهم. والأمر الآخر أنهم فوجئوا بمقاومة علماء الشيعة لهم، ومرجعياتهم، إلى المقدار الذي شارك فيه بعض مراجعهم وعلمائهم بالقتال ضدهم، والبعض الآخر بالمال والثالث بالتحشيد والتعبئة! وقد كان البريطانيون يطمعون في أن يتعاون الشيعة معهم ضد الأتراك الذين كان الكثير من ولاتهم يضطهد الشيعة..

على أثر وقوف الشيعة في وجه البريطانيين، ومعارضة المرجعية الشيعية للاحتلال البريطاني وتحشيدها للقبائل، وتحول المقاومة إلى هم إسلامي عام، صمم البريطانيون على إقصاء الشيعة، وجاء الأشراف ـ الهاشميون ـ الذين هم بأنفسهم كانوا مطلبا شيعيا في مقابل الحاكم الانكليزي، فإذا بهؤلاء يتحالفون مع البريطانيين، ويبعدون الشيعة إبعادا تاما.

وقد عمل البريطانيون على عدة مستويات في مواجهتهم للشيعة:

* فمن جهة قاوموا نفوذ الفقهاء بالقول بأنهم لا يمثلون رأي الناس، وأنهم فرس وعملوا على إثارة موضوع عروبة المجتهدين، وأن عليهم أن يتركوا توجيه الشيعة العرب للمجتهدين العرب!

* ومن جهة أخرى التف البريطانيون على الثورة الشعبية، بتعيين فيصل بن الشريف حسين ملكا، وهو الذي كان مطلب العلماء والشريفيين غير أن فيصل كان يضمر تحطيم نفوذ العلماء«».

تحالف البريطانيون مع الملك فيصل،«حتى في موضوع تحطيم نفوذ العلماء» ولذلك فإن العلماء لما عقدوا مؤتمرا للرد على غارات الوهابيين في عام 1922م، سعى المجتهدون «الميرزا النائيني والاصفهاني أبو الحسن، والشيخ الخالصي» لتجميع الناس وتشكيل قوة عشائرية للرد على الغزاة، حرض البريطانيون ضد المؤتمر الذي انعقد في كربلاء، وضغطوا على فيصل لكيلا يحضر، وكذلك رفض الشيخ الآلوسي الحضور لكيلا يعارض الوهابيين السعوديين، وفشل المجتهدون فيه في التحريض على البريطانيين«».

* ومن جهة ثالثة عملوا على إقصاء الشيعة عن المواقع المهمة في الدولة الجديدة: ففي الوقت الذي كان فيه الشيعة أغلبية السكان «بحسب إحصاء بريطاني عام 1932» لم يكن هناك وزير شيعي في حكومات العشرينات، وللمفارقة فإن الأكراد الذين كانوا يشكلون 17% من السكان كان لديهم 22% من المناصب الحكومية والشيعة الأكثرية كان لهم 15% والباقي أي حدود 65% كان للسنة.

* كما حركوا دعاة القومية لمهاجمة التشيع باعتباره حالة فارسية: وقد وضع أسس ذلك داعية القومية ساطع الحصري، وهو الذي صور التشيع على انه هرطقة مدفوعة بحقد فارسي على العرب، ووضع مطالبات الشيعة بحقوقهم في إطار الإثارة الطائفية حيث وضعوا الشيعة في موقف دفاعي!.

وصدرت موجة من الكتب الطائفية ضد الشيعة وعروبتهم، منها: العروبة في الميزان لعبد الرزاق الحصان الذي اتهم الشيعة بالولاء الفارسي«»!.

لقد كانت القومية في رأي باحثين«» الطبعة الجديدة للتسنن «من دون مضمون أخلاقي وإنما هو عنوان للإقصاء» فبالرغم من ظاهرها العلماني والذي يفترض أنه بعيد عن المذهبية إلا أنها تورطت في أشد أشكال الطائفية وأسوئها وتضمنت تحيزا متأصلا ضد الشيعة، الذين وإن كانت لغتهم الأم هي العربية، إلا أنهم حسبوا غير متساوين مع غيرهم بل من الدخلاء في الأمة وأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في البلاد.

إن إلقاء نظرة خاطفة على «مطالب» الشيعة التي قدمت إلى الحكومات العراقية المتتابعة في العهد الملكي وهو على سوئه أهون الشرين بالقياس للعهد الجمهوري يكشف عن معاناة الشيعة في العالم العربي والإسلامي وهي واحدة، مرجعها إلى عدم الانصاف، ورفض الاعتراف بهذه المشكلة فضلا عن حلها..

إن التجارب التي حصلت في بعض البلدان العربية ينبغي أن تدرس حتى لا تتكرر، فإن تغير وضع الشيعة في لبنان، وفي العراق أخيرا، لم يتم إلا بعملية جراحية صعبة «حرب أهلية لمدة 15 سنة، وسقوط نظام بواسطة عسكر أجنبي».. فمن المهم أن يفكر المهتمون بالوضع العربي والإسلامي أن لا تكون هذه «خريطة طريق» وأنه لكي يتغير وضع الشيعة في منطقة ما فلا بد من مثل هذه العمليات العنيفة!.

يتحدث اسحاق نقاش عن هذه المطالب وأنها تتلخص في التالي:

1- تعيين شيعة في البرلمان والحكومة والخدمات بحسب نسبتهم من السكان.

2- تدريس الفقه الشيعي في كلية القانون.

3- ضم عضو شيعي إلى أقسام المحكمة في قضايا الميراث.

4- حرية الصحافة.

5- توزيع عوائد الوقف على كل المؤسسات الإسلامية بما فيها الشيعية.

6- استثمار موارد حكومية في الصحة والتعليم في مناطق الشيعة.

وأنت ترى عزيزي القارئ أنها من السهولة بمكان، وغاية في الإنصاف!

الشيعة وفترة الانقلابات على الملكية:

باستثناء فترة عبد الكريم قاسم التي ما بقيت إلا لفترة وجيزة، كانت الحكومات الجمهورية هي الأشد سوءا وسوادا بالنسبة لشيعة العراق الذين صاروا منذ بدايات القرن العشرين أكثرية متصاعدة، فمورس ضدهم الإقصاء الطائفي ضمن عمل مبرمج، وتم العمل على تفتيت الحوزة العلمية بالتدريج، وإهمال مناطقهم.. وتصاعدت المواجهة..في أيام البعثيين ولا سيما فترة حكومة صدام حسين.. حيث بلغ السيل الزبى!.