سعادة بطعم الرحمة

نبحث عن مصادر السعادة في كل مكان وفي كل تفاصيل حياتنا، وهدفنا من ذلك كله تحقيق الهدوء والراحة والطمأنينة لنفوسنا الممتلئة بالضغوطات والأعباء، نجتهد ونبذل الكثير من المال والوقت لتحقيق ذلك، نذهب بعيدًا إلى أقاصي الدنيا علّنا نجد ذلك القبس الذي يضيء لنا الطريق إلى سعادتنا.

نبتعد ونبتعد مع أن السعادة قد تكون بين أكفّنا وقريبة منا ولا تكلفنا كل ذلك الجهد والمال والمسافات، قد تكون سعادتنا في بَذْلٍ أكثر في أمور لنا القدرة على البذل فيها لأنها بين أيدينا، ومن أهم تلك الأمور بر الوالدين والاهتمام بهما ورعايتهما.

الوالدان هما جذورنا التي خرجنا منها وهما أصلنا ونحن فروعهما، وقيمة الفرع أن ينتمي إلى الأصل، وأقل أنواع الانتماء هو الفخر بالأصل، والفخر لا يتحقق إلا بالحب، ومن أسس الحب ودعائمه الاهتمام بالوالدين وقضاء حوائجهما، مع تنامي ذلك الاهتمام وزيادته تبعًا لزيادة حاجتهما، وخصوصًا عندما يصلان إلى مرحلة متقدمة من العمر، حيث تكون الصحة والعافية في منحنى النزول.

منحنى لا بد له أن يبدأ، ولا بد لنا أن نكون مستعدين له سلفًا، فنحافظ على صحتنا كي نساعدهما في المحافظة على ما تبقى من صحتهما، ونهيئ الظروف لذلك، ونمنحهما وقتًا كافيًا في وقت مبكر من أعمارنا؛ فنرعاهما ونكون في مهنتهما مع عدم إغفالنا لأسرنا التي كونّاها.

ستمضي الأيام وستنصرم لنجد أننا تعودنا على منحهما ذلك الوقت فلا يتغير علينا شيء، لتبقى الرعاية بهما مستمرة والبر في أجمل صوره، وبطبيعة الحال فإننا ومع تقدمهما في العمر سنحتاج إلى المزيد من الوقت الذي سيضاف إلى وقتنا الذي كنا قد أعطيناهما إياه وتعودنا على منحه لهما، فلا يشكل ذلك الوقت الإضافي ثقلاً علينا يمنعنا من القيام بواجباتنا الأخرى تجاه أبنائنا وأعمالنا وعباداتنا.

بر الوالدين يحتاج إلى نفس طويل ورغبة صادقة وحب عميق يتجاوز الأقوال، وأفعال صريحة مثالية، وقبل كل ذلك طاعة لرب العالمين وتحقيق رضاه؛ حتى يكون التوفيق حليفنا في كل أمور حياتنا، وخصوصًا في ذريتنا، وحتى ننال نوعًا من السعادة طعمها طعم الرحمة، رحمتنا بوالدينا، ورحمة الله سبحانه وتعالى بنا، وهل هنالك أجمل أو أثمن من هكذا نوع من السعادة؟!

يقول أحدهم ” إذا قمنا ببناء مجتمع يبر فيه الأبناء والديهم، فهذا المجتمع سيبقى على قيد الحياة“.