عبدالله «11»
لم تكن هذه هي الزيارة الأولى لسوريا فلقد زرتها من قبل مع أخي الأكبر، كنا مع سفريات الهزيم بالشويكة وأذكر أن سعر التذكرة ذهابا وإيابا ب 300 ريال تقريباً...
هكذا أكمل عبدالله حديثه عن زيارته لسوريا...
سألته: في أي عام كانت زيارتك مع الشباب؟
أجابني: كان ذلك بعد تخرجي من الكلية أي في صيف عام 2005م وكانت زيارة ممتعة وبها حدثت المفاجأة الكبرى...
سألته أي مفاجأة؟!
قال: دعني أخذك إلى تلك الأيام، أتجول معك بذكريات جميلة في تلك المنطقة..
قلت: صدقت... كانت أياما جميلة رغم بساطة العيش في تلك المنطقة إلا أنها تحمل ذكريات جميلة...
قال عبدالله: بعد أن استقر بنا الحال في «بيت الخضرة» والذي أطلقنا عليه الفندق الأخضر عندما سألنا أحد الشباب أين تسكنون؟
كانت إجابتنا في الفندق الأخضر...
ضحكنا من هذه الإجابة... فقد كان بيتاً متواضعاً...
ذهبنا لحرم السيدة السيدة زينب وعند دخولنا شعرت بالهدوء والاطمئنان والسكينة... روحانية الصلاة والدعاء تتسلل إليك...
عندما تقرأ فقرات الزيارة... تنهمر دموعك على خديك... تتذكر السيدة زينب في يوم عاشوراء وما جرى في ذلك اليوم من مصائب...
بقيت أتأمل في زوايا الحرم الزينبي... حتى وقع نظري على رجل عليه سيماء الصالحين... سمعته يقرأ دعاء كميل...
اقتربت منه وصرت أردد معه فقرات الدعاء...
حتى وصل لمقطع ”اَتُسَلِّطُ النّارَ عَلى وُجُوه خَرَّتْ لِعَظَمَتِكَ ساجِدَةً، وَعَلى اَلْسُن نَطَقَتْ بِتَوْحيدِكَ صادِقَةً، وَبِشُكْرِكَ مادِحَةً، وَعَلى قُلُوب اعْتَرَفَتْ بِاِلهِيَّتِكَ مُحَقِّقَةً، وَعَلى ضَمائِرَ حَوَتْ مِنَ الْعِلْمِ بِكَ حَتّى صارَتْ خاشِعَةً، وَعَلى جَوارِحَ سَعَتْ اِلى اَوْطانِ تَعَبُّدِكَ طائِعَةً وَاَشارَتْ بِاسْتِغْفارِكَ مُذْعِنَةً، ما هكَذَا الظَّنُّ بِكَ وَلا اُخْبِرْنا بِفَضْلِكَ عَنْكَ يا كَريمُ يا رَبِّ“ حتى خر ساجداً وصار يبكي وهو يردد يا ربي يا ربي....
انتهى هذا الرجل من الدعاء...
قررنا أن نتركه منفرداً يمسح دموع الخشوع...
في الحرم الزينبي أنت تجدد العهد مع الله... تتوب إلى الله... تشحن نفسك بالتقوى... تتأمل في سيرة السيدة زينب وتقتبس منها تلك الدروس العظيمة...
هكذا كنا نتحدث ونحن عائدون للشقة...
مررنا بشارع التين... الشارع الشهير في حي السيدة زينب ... عندما تتحدث عن هذا الشارع يظن البعض أنك ستتحدث عن شارع الشانزليزيه في باريس، بينما أنت تتحدث عن شارع عرضه 20 متر وطوله 500 متر تقريباً ولكنه شارع تجاري مزدحم جداً... مررنا بتسجيلات الشايب.. محلات الحلوى... محلات الاحذية...
كان ضمن برنامجنا أن نذهب لزيارة السيدة رقية في دمشق... ولكن قبل أن نذهب للمقام الشريف كان لابد أن ندخل سوق الحميدية وهي أشهر الأسواق الشعبية في دمشق، وأكثرها جمالًا ورونقًا، كنا نشاهد المحلات وما تحويه من بضائع شعبية، وبعض محلات العطور، ومحلات الأغذية والحلويات والايسكريم... توقفنا عند محل للبوظة «بوظة بكداش» وهو محل مشهور، دخلنا وتناولنا بعض البوظة...
واصلنا التجول في السوق حتى نهايته دون أن نشعر بالتعب...
من سوق الحميدية دخلنا الجامع الأموي تجولنا في الجامع حتى وصلنا لمقام النبي يحيى ، وبعده اتجهنا لمقام الإمام السجاد ، ثم توجهنا لمقام رأس الحسين .
خرجنا من الجامع الأموي وتوجهنا لمقام السيدة رقية بنت الإمام الحسين دخلنا المقام فكان مقام الخشوع والسكينة جلسنا نقرأ الزيارة والقرآن والأدعية وأدينا صلاة المغرب والعشاء..
بعد هذه الجولة كان لابد أن نذهب لأحد مطاعم دمشق، حيث بدأت بطوننا بطلب الرحمة واشباعها بوجبة عشاء شهية... فكان لها ما أرادت واخترنا أحد المطاعم الشهيرة وطلبنا وجبة العشاء ذات الطابع السوري الطازج، وما هي إلا لحظات حتى امتلأت الطاولة بمختلف الأصناف من المقبلات ثم تبعها المشويات والعصيرات... كانت وجبة شهية لم أتناولها مثله منذ فترة زمنية طويلة...
وفي نهاية هذا اليوم السياحي عدنا ادراجنا لحي السيدة زينب حيث محل اقامتنا في الفندق الأخضر أقصد بيت الخضرة...
توقف التاكسي بجانب فندق السفير وهو فندق مستوى 5 نجوم في تلك الأيام، قررنا أن ندخل الفندق للاطلاع فقط...
دخلنا الفندق... رحب بنا موظف الاستقبال... سألنا هل تريدون حجز غرف... ابتسمنا وقلنا.. في الحقيقة إننا دخلنا لنأخذ فكرة عن الفندق ربما في الزيارات القادمة نسكن معكم...
قال الموظف مبتسماً: إن شاء الله في العام القادم تكونوا متزوجين وتقضون معنا شهر العسل...
ضحكنا وقالنا له: الله يسمع منك...
صرنا نتأمل في جمال الفندق...
قال الموظف: يوجد لدينا مطعم إن أحببتم أن تتناولوا وجبة عشاء أو أي شيء على ضيافتنا...
ابتسمنا وقلنا له: كلك ذوق... وشكراً جزيلا لك على هذه الأخلاق الجميلة...
خرجنا من الفندق... وصرنا نضحك ونضحك... ونقول... شهر العسل في فندق السفير في حي السيدة... ربما يتحقق هذا الحلم في يوم ما... ضحكنا... قال مجيد: لكن في السنة القادمة لن نسكن في الفندق الأخضر سنسكن هنا في فندق السفير حتى لو أسبوع...
في أحد الأيام وبعد أداء صلاة الصبح وقراءة الزيارة والأدعية والقرآن... سمعت صوت أحدهم يسلم علينا...
رفعت رأسي... نظرت إليه... منْ؟!
سيد علوي....
أحتضنته وقبلته...
قال سيد علوي: كيف حالكم... متى وصلتم...
قلت: أهلا بك سيد... منذ زمن لم ألتقي بك... كيف صحتك...
ابتسم سيد علوي وقال: الحمد لله... متى ستقومون بزيارتنا؟
ما رأيكم أن تحضروا الليلة بعد صلاة المغرب، لدينا احتفال بمناسبة ميلاد السيدة فاطمة الزهراء ...
قلنا: نعم سنحضر.. هذه فقرة من برنامج في هذه الزيارة...
عندما خرجنا من الحرم الزينبي لمحت سيدة في نهاية الثلاثين من عمرها تبيع الحليب الساخن مع الخبز - يمكن أن نطلق عليه في يومنا هذا ب «كوفي السيدة» - وحولها مجموعة من الرجال يشربون الحليب... بعضهم سعوديون من أبناء القطيف وبعضهم سوريون يستعدون للذهاب للعمل... تذكرت في هذه اللحظة أيامي الجميلة عندما كنا نبيع الحليب قرب مسجد الشيخ علي المرهون..
بعد صلاة المغرب حضرنا الاحتفال في حسينية الإمام علي وكان برفقتنا الحاج أبو حسن... وكان احتفالا بهيجاً... فقراته كانت هادفة... الكلمة الرئيسية والشعر ثم الموشحات... وكان الحضور غفيراً...
في نهاية الحفل ودعنا سيد علوي وشكرناه على هذه الدعوة
قال سيد علوي: آمل أن نلتقي بكم مرة أخرى...
خرجنا من «الحسينية» وكان ازدحام شديد في الشوارع بسبب الاحتفال... حيث كانت هناك فعاليات في مقام السيدة زينب ... قررنا أن لا ندخل شارع التين... ونذهب لشارع المدارس فهو أقل إزدحاماً... توجهنا لشارع المدارس... حتى وصلنا لمكتب الهزيم «مكتب سوريا» وهناك كان تجمع مجموعة من أبناء القطيف وبالخصوص الشويكة... التقينا ببعض الشباب وتناولنا معهم الشاي والحلويات بمناسبة المولد...
في الشقة نظرنا للبرنامج الذي أعددناه مسبقاً وقلنا: بقي علينا الأرض السعيدة وسوق باب توما...
قررنا أن نذهب للأرض السعيدة أولا في الليلة القادمة...
الأرض السعيدة هي أكبر مدينة ملاهي في دمشق على طريق المطار... ربما تشبه عالم والت ديزني في فلوريدا «نكته»
وصلنا للأرض السعيدة وقررنا أن نلعب بعض الألعاب المناسبة لنا... قضينا ساعات ملؤها الضحك والمرح والبهجة... كنت أحتاج لهذه الفسحة من الترفيه... روي عن النبي قوله: «روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت»
بعد هذا المرح تناولنا طعام العشاء في إحدى المطاعم القريبة من الأرض السعيدة ثم عدنا لشقتنا...
في اليوم الثاني ذهبنا لحرم السيدة زينب وأدينا الصلاة والزيارة... قرات بعض الأدعية وشعرت أن هناك حدث سيحدث لي... كنت مطمئنا... مسرورا... أتحدث مع الأصدقاء بنفس ملؤها الحيوية... حتى قال محمد: الحمد لله... عادت «لعبود» حيويته...
تناولنا الفطور...
بعد ساعات... رن هاتفي... نظرت للرقم.. هذا رقم سعودي... ليس مخزن في جوالي... قلت للشباب هل أرد عليه؟!
قال مجيد وماذا تنتظر رد عليه...
فتحت الجوال... نعم انا عبدالله... من انت...؟
نهضت من مكاني... ماذا...
كان الشباب ينظرون إلي...
قال محمد: ويش فيك؟!
قلت: شركة... شركة... بيكرهيوز.... نعم سأحضر... نعم...
أقفلت الهاتف... نظرت ناحية مقام السيدة زينب وقلت ودموعي على خذي... شكراً لك سيدتي...
للقصة بقية