بين أبجديات الوطن

محسن الصفار

كثر الجدل حول نجاح الحوار المذهبي وثقافة التقارب بين الشيعة والسنة ،وحول نجاعة  إصدار البيانات المشتركة بين السلفيين والشيعة لضمان عدم تبادل الإساءات بين الطرفين، مع احترام خصوصيات المذهبين وضمان حقوق كل مواطن بغض النظر عن مذهبه وانتمائه، لقد جنى الحوار المذهبي بعض ثماره والدلالة على ذلك هو  تغيير الوضع الشيعي نحو الأفضل  خلال  السنوات الثلاث الأخيرة،لكن لم نر نجاح مبهر ومؤثر يشار له بالبنان ،أو على الأقل يرضي الشارع الشيعي لأنه المعني بمسألة الاضطهاد وعدم المساواة  وأرجعه لعدة نقاط:

الشيعة داخل قفص الاتهام:

عند كل حوار أو نقاش بين السلفيين والشيعة يأخذ الطرف السلفي دور قاضي المحكمة الذي ينتظر تبريرات المتهم، لأنه أخذ فكرة مسبقة بأن المتهم مذنب من رأسه إلى أخمص قدميه ولا مجال لتبرئته ,نحن لم نتجه للحوار المذهبي لكي نلقي الأسئلة وننتظر إجاباتها,لقد اتجهنا للحوار كي نقلص حدة المشكل الطائفي ,ولتوطيد وتقوية نقاط التواصل بين المذهبين, فبعثرة الأوراق بهذه الطريقة ومحاولة تجريم الطرف الشيعي بجرم جديد في كل مرة يتلاقى فيها رواد المذهبين لن يساعد على حل المسألة, بل على العكس سيزيد من الجدالات العقدية التي لم ولن يحلها الحوار المذهبي, لأنه لم يوجد لهذا الغرض.
 
وهنا لا اتهم الجانب السلفي جملة وتفصيلا بأنه معطل لموضوع التفاهم المذهبي , لكنه يدور حول نفس الاسطوانة المشروخة في كل حوار بتناوله لموضوع المتعة ,وسب الصحابة ,وتحريف القرآن وغيرها من المواضيع, وعليك كطرف شيعي في كل مرة أن تبرر وتبرئ ساحتك من هذه الاتهامات. هذه الطريقة من التعامل ستصل الشيعي لمرحلة من اليأس لما يراه من عدم اكتراث الجانب الآخر وانعدام الثقة بينهما, فمن الجيد أن نثمن الحوار المذهبي على انه حاجة وطنية ماسة لا جلسة عقاب وتبادل اتهامات, لان أصل فكرة التقارب بين المذاهب هي أن يقبل المذهبان بعضهما بما هما عليه من غير التنازل عن المعتقدات أو التخلي عن مبادئ المذهب  بل الهدف إيجاد حالة من الاحترام المتبادل مع ضمان عدم الإساءة لأي رمز من رموز المذهب الآخر. علما بأن كل مذهب لديه تساؤلات وعلامات استفهام اتجاه المذهب الآخر سواء من ناحية الأفكار أو المعتقدات أو حتى ما علق بالتراث وتراكم, لكن هذا لا يتم حله وتعويله على الحوار المذهبي لأننا بهذه الطريقة ندور حول نفس الدائرة الغير منتهية. فالاختلافات العقدية والفقهية لها نساكها والمهتمون بها  من كلا المذهبين وهم من ينبرون لمناقشتها وتنقيحها.

المؤسسة الرسمية واخذ زمام الأمور:

احيي الجهود التي بذلت لإنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بالرياض  وما جرى فيه من أطروحات راقية  كسرت كثير من الحواجز, وأنهت حالة القطيعة ولكن السؤال المطروح أين انعكاس الأوراق التي طرحت في الحوار الوطني على ارض الواقع, أن ننهي الحوار الوطني ونكتب توصيات وسط حضور العلماء والمثقفين من مختلف المذاهب ثم بعد ذلك يخرج لنا احد المتطرفين بفتوى جديدة تكفر الشيعة أو بكلام يسيء للطائفة الشيعية ولرموزها في احد المحافل العامة أو حتى في جريدة رسمية ثم لا نرى حتى استنكار لهذا الفعل إلا ما رحم ربي من بعض المفكرين والمثقفين المنفتحين من الطرف الآخر الذين لا يعتبرون واجهة ممثلة للجهات الرسمية.
 
باعتقادي أن هذا يولد نوع من التوجس حول مدى جدية المؤسسة الرسمية أو بالأحرى المؤسسة الدينية الرسمية لوقف المشكل الطائفي وتخفيف التشنج المذهبي وهل قامت بتحويل ما تم نقاشه في مركز الحوار الوطني إلى شيء ملموس على ارض الواقع وما قصدته بشيء ملموس هو حدها لفتاوى التكفير والتنابز المذهبي بين كلا الطرفين. فلا يعقل أن يطالب الشيعة بأداء واجباتهم تجاه وطنهم كمواطنين من الدرجة الأولى  وهم يعانون من الإقصاء والتهميش الطائفي، إذا  على المؤسسة الرسمية أن تقف موقفا شجاعا تجاه هذا الهاجس الوطني وتضع حدا للإساءات التي يعاني منها الشيعة أو الطوائف الأخرى ممن يعتبروا أقلية في هذا الوطن الرحيب لكي لا يتحول الحوار الوطني مجرد أوراق تلقى وكلمات تطرح بلا فائدة وتأثير على الجمهور العام.

تباين الخطاب العام وخطاب الجماهير:

هناك تضاد في الخطاب عند بعض الرموز السلفية بين الطرح العام في المحافل العامة كالحوار الوطني أو حتى حين قدومهم في بعض المحافل هنا في القطيف وبين خطابهم داخل مجتمعاتهم المغلقة وبين جماهيرهم، فترى الخطاب العام خطاب هادئ نسبيا وفقا للوضع العام ولكن خطاب الجماهير خطاب ناري مشعل ومؤجج للفتنة ومحرض على شركاء الوطن والسبب إرضاء الجماهير، وهذا ما جعل البعض يعدل عن توقيع بيانات أو مفاهمات أو حتى بأن يتبنى فتح باب علاقة وتواصل مع الشيعة.

الشيعة رهائن الخارج:

 التعامل مع الشيعة في المملكة على أنهم قضية إقليمية تتقلب مع تقلب المناخ السياسي والمصلحي في المنطقة ويعلق وضع الشيعة الداخلي رهنا لتصاعد أو ركود الصراع بين المملكة أو إيران أو بازدياد النزاع الطائفي في العراق ويقارن تحسن حال الشيعة في المملكة بتحسن حال السنة في إيران .


همسة أخيرة:

خلاف استمر أكثر من ألف عام لن ينتهي في بضع سنين, فعلينا كمجتمع أن نثابر و نحدد أولوياتنا ونواصل جهودنا ولا نجعل من العقبات معوقات لنا ولكن لنتعلم منها لمستقبلنا ولمستقبل الوطن

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
السيد هاشم السادة
21 / 6 / 2010م - 12:28 م
اشكر الكاتب الرائع على هذا الطرح الموفق

طرحك جدا موفق ورائع وسلسل

نقاط نقاشك في صحيحه 100%