عبدالله «2»

بعد مرور أسبوع التقيت ب «عبدالله» كنت متحمساً لسماع بقية قصته، اقترحت أن نذهب لأحد المقاهي في القطيف، ركب معي السيارة، مررنا بجانب سوق الخضار بالقطيف.

ققال عبدالله من هنا نبدأ حديثنا لهذه الحلقة.

قلت: كيف ألا ترغب أن نبدأ حديثنا في المقهي؟!

أجابني مبتسماً: هذا السوق له ذكريات ترتبط بقصتي، وبالخصوص ببيع الحليب.

قلت: ألم تنتهي من قصة بيع الحليب؟!

ضحك عبدالله وقال: ربما الحليب سيرافقنا في جميع فصول القصة...

ضحكت وقلت: هيا أمامنا مشوار عشر دقائق لنصل إلى المقهى يمكنك أن تبدأ حديثك عن الحليب...

قال عبدالله: في بداية شهر رمضان كنت أشعر بتعب، لا أعلم عن سببه، هل هو بسبب الصيام أو أنه بسبب تعب الدراسة فقد كنا ندرس بجد واجتهاد دون غياب أو كسل..

في ذلك اليوم زارتنا خالتي أم محمد وسمعت أخي أبو جعفر يناديني للذهاب لبيع الحليب.

قالت خالتي: أين تبيعون الحليب؟!

أجابتها أمي: عند مسجد الشيخ علي المرهون.

قالت خالتي: ولماذا لا تبيعونه في سوق الخضار، هناك البيع أفضل، إذا الأولاد مستعدون للذهاب غداً سوف أحضر لأذهب معهم...

قال أبو جعفر: لكن السوق كبيرة.. والمشوار طويل..

قالت خالتي: لا عليك... سأكون معكم... هناك ستبيعون الحليب بكل سهولة وسعره سيكون أفضل.

قالت أمي: لكن الكمية التي عندنا كمية بسيطة، ولدينا زبائن معتمدين.

قالت خالتي: لا عليك... المهم غداً جهزي الكمية التي عندكم، وسترون النتيجة.

في اليوم الثاني جاءت خالتي، وقالت: هيا بنا لنذهب.

قلت أنا متعب.

قال أبو جعفر إذا عبود لن يذهب معنا، فأنا لن أذهب.

جاءت أمي وقالت لي: هيا يا ولدي... تشجع، ستكون معك خالتك... لا تخف ستكون الأمور أفضل.

قلت لها: فقط اليوم سأذهب معهم.

قالت أمي: لا مشكلة... إذهب معهم وغداً سنقرر ماذا سنفعل.

ذهبنا لسوق الخضار، جمع غفير من الناس، هذا يشتري فاكهة، وذلك ينادي بأعلى صوته، جح أحمر على السكين «الجحة» بعشرة، وذلك ينادي الخضرة الزينة عندي... وثالث ينادي الخضرة على خمسة ريال يا بلاش... وهكذا كنت أرى مشاهد عفوية، تعامل الناس مع بعضها البعض بكل عفوية دون أي عصبية، حتى جاء أحد الزبائن وسألنا بكم الحليب؟!

قالت خالتي: الكيلو ب «13» ريال.

قال الرجل: هذا غالي، وجدته ب «9» ريال في الجهة الأخرى.

قالت خالتي: إذهب واشتري منه... أنت حر.

ذهب الرجل.

قلنا لخالتي: هذا السعر خيالي... نحن نبيع الكيلو ب «3» ريال فقط

قالت خالتي: لا عليكما... أنتما اليوم تشاهدون فقط..

جاء رجل آخر وسأل بكم الحليب.

أجابته خالتي: الكيلو ب «10» ريال.

قال الرجل... أعطني 2 كيلو.

اشترى الرجل 2 كيلو وذهب دون أي نقاش حول السعر!

قالت خالتي: بدأنا البيع.

وما هي إلا لحظات حتى نفدت الكمية وربحنا ربحاً وفيرا في ذلك اليوم.

قال أبو جعفر لخالتي: ما شاء الله عليك خالتي... أنت قوية في البيع... هذا المبلغ كنا نجمعه خلال خمسة أيام..

ضحكت خالتي وقالت: سآتي معكم غدا... وبعد ذلك ستأتون بمفردكم.

قال أبو جعفر: إذا كان البيع هكذا سنحضر كل يوم...

في طريق عودتنا مررنا على رجل يبيع الحلوى...

قلت: سأشتري لي «زلابيا»

اشتريت الزلابيا... ورجعنا للمسجد للصلاة...

بعد الانتهاء من صلاة المغرب جاء أحد الزبائن وقال: أين الحليب؟!

قلنا: لقد بعناه في سوق الخضار...

قال: كيف.. أنا متفق معكم يومياً أشتري منكم...

قلنا: غدا نحضر لك...

عدنا للبيت وقصصنا قصة السوق لوالدتي...

قلت لوالدتي: إن خالتي لديها خبرة في البيع... لقد بعنا كيلو الحليب بعشرة ريال!

قال أبو جعفر: وهذا المبلغ مدخول اليوم... كنا نجمع هذا المبلغ في خمسة أيام!

قالت أمي: جزاها الله خير أختي أم محمد...

قلت غداً سنذهب معها مرة أخرى... وسنحتفظ ب 3 كيلو لزبائن المسجد...

قالت أمي وهي تضحك: أراك تشجعت للذهاب مع خالتك...

قلت نعم... هناك الأجواء غير...

بعد الفطور تناولت الزلابيا...

وكنت أشعر بالتعب...

كنت أشعر بالجوع فصرت آكل، ما بقي من وجبة الفطور...

استمر الحال في بيع الحليب في سوق الخضار والارباح تزداد يومياً. وفي كل يوم نعود من السوق كنت أشتري الزلابيا من بائع الحلوى...

وفي كل يوم كنت أتناول الفطور بنهم، كنت آكل من جميع الأطباق... ومع ذلك كنت أشعر بالجوع والتعب، حتى أني كنت أتعب عند صعود الدرج للدور الثاني!!

قالت والدتي لوالدي: لا أعلم ما به عبدالله... دائماً يشعر بالتعب.. ووزنه ينقص يوماً بعد يوم... لا أعلم ما به؟!

قال أبي: إنني ألاحظ ذلك منذ بداية شهر رمضان...

في ليلة 19 رمضان 1413 قرر أبي أن أذهب مع عمي لمستوصف مضر بالقديح...

ذهبنا للمستوصف شرحت للطبيب ما أشعر به من التعب والجوع ونقص الوزن، بدأ الطبيب يسألني بعض الأسئلة، وبعدها تم عمل الفحوصات المخبرية... وقال الطبيب ستظهر النتيجة بعد ساعتين... سنتصل بكم في حال وجود أي مشكلة تتطلب حضوركم مرة أخرى...

عدنا للبيت...

سألتني أمي: ماذا قال لكم الطبيب؟!

أجابها عمي: أخذوا تحاليل... وننتظر النتيجة...

بعد ساعتين... رن هاتف المنزل...

رفع السماعة عمي: نعم هذا هو بيتهم... نعم عبدالله معنا... سنحضر حالا...

كانت أمي تسمع المحادثة...

سألت عمي: من المتصل، ماذا يريد من عبدالله...

قال عمي: هذا الطبيب من مستوصف مضر، طلب منا أن نعود مع عبدالله للمستوصف حالا...

قالت أمي: ما به ولدي...

قال عمي: لا أعلم ولكن علينا أن نذهب...

ذهبت مع عمي وأخي الأكبر للمستوصف وكان الطبيب بانتظارنا...

جلسنا مع الطبيب في غرفته، وبدأ يسألني مرة أخرى... منذ متى وأنت تشعر بهذه الأعراض؟!

أجبته من بداية شهر رمضان...

قال الطبيب: ماذا أكلت الليلة على الفطور؟!

قلت: أكلت كل شيء في المائدة، هريس، سيويه، وشوربة، كل شيء..

قال الطبيب: هل أكلت حلويات؟!

قلت: نعم أكلت زلابيا... كل يوم آكل زلابيا.. وأشرب فيمتو...

نظر الطبيب إلينا وقال: هل أغمي عليك خلال الأيام الماضية؟!

قلت: لا...

قال الطبيب: يؤسفني أن أخبركم أن عبدالله مصاب بالداء السكري...

نظرت للطبيب ودمعت عيني وقلت: يعني ويش...

همسة

مع أنك تملك ذكريات كثيرة، لكنك لا تستطيع أن تختار ما تتذكره، فالذكريات هي التي تفرض نفسها وقت تشاء.

للقصة بقية

أخصائي التغذية العلاجية