الفن والأدب في يوتوبيا الطين

بين يدي كتاب رشيق أنيق في شكله وهندامه وفي محتواه هذا الكتاب الذي يقع في سبع وثمانين صفحة من القطع الصغير والذي يحتوي على اثنتين وعشرين قصة قصيرة، أنه «يوتوبيا الطين» للقاص والكاتب البارع الأستاذ عبدالله بن محمد النصر والذي هو من مواليد محافظة الاحساء ويقيم في مدينة الخبر في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية والكتاب من إصدارات النادي الأدبي في منطقة الباحة ومنشورات مؤسسة الانتشار العربي وطبعته الأولى عام 2014م، هذا الكتاب الذي استهواني بقصصه المدهشة مما دعاني لأن أقراءته أكثر من مرة وسأقرؤه مِراراً.

«يوتوبيا» هذه الكلمة التي تتجاوز بأفكارها العالية نطاق الوجود المادي للمكان ويتخطى مدلولها النظام الاجتماعي القائم.

وفي وجهة نظري المتواضعة فقد وفّق القاص منذ البداية في اختيار عنوان مجموعته القصصية لما له من تأثير على القارئ والمتلقي.

بعدها وفي سرده لقصصه الاثنان والعشرون يبدأ بقصة «بنات المطوعة» التي اختارها بعناية حيث عاشها جيل الثمانينات الهجرية سواء في منطقة الكاتب أو مناطق المملكة الأخرى وأهل الخليج العربي.

في أثناء سرد القصة تستشّعر قوة الحبكة الأدبية التي تنبئ عن قاص مخضرم ولا سيما في التصوير المكاني ورسم الأحداث وتسلسلها مما يجعل المتلقي ينّشد لها.

يختار القاص ألفاظه بعناية فائقة ويصف الأحداث تماماً وكأنه يعيش مع شخصياتها في زمانها ومكانها.

إليك هذه المقطوعة من القصة نفسها «بنات المطوعة» «ازدادت تشنجاً، وأخذت تهدد بصوت عالٍ، والله إذا ما نطقتوها عدل، بضربكم وبخليكم تكنسوا البراحة، وتنخلوا رملها كله من ورق الشجرة وطعام التمر».

وفي قصة أخرى «البلد الطيب» يصل القاص بالقارئ إلى عنصر التشويق من خلال الأحداث المطعمة بالكلمات الشعبية الدارجة الجميلة التي يخاطب بها أهل هذا الذوق الفني الأدبي «الدوسة - الثبر - التقبيل - العامية - هوّن...»

والدوسة؛ هي الممشى الرملي المرتفع عن سطح النخل، وأما الثبر فالمقصود به مصرف للمياه الزائدة، والتقبيل هو تنازل المستأجر الأصلي عن المكان الذي أستأجره لمستأجر آخر.

، والعامية هو المحراث اليدوي وأما معنى كلمة هوّن يعني كفّ أو امتنع.

وكما يتمّيز عبدالله النصر في وصفه وتصويره وانتقاء الألفاظ المؤثرة كذلك يتمّيز في اختيار عناوين قصصه. ففي هذه المجموعة يختار لنا «رائحة الموت - صاحب القُفة - من فواكه الذاكرة - قاب قوسين من المستحيل..»، وغيرها من العناوين التي تنم عن تمكّن وذكاء في الاختيار والانتقاء.

وليس بغريب على هذا القاص مثل هذا التمكّن في القص والتأثير به لما له من تاريخ أدبي عريق ومشرّف فقد مثّل المملكة في كثير من المحافل وكثير من البلدان والمشاركات، حيث شارك في العديد من الأمسيات والندوات الأدبية والثقافية وله العديد من المؤلفات الأدبية الروائية والقصصية فحق له أن يُكتب فيه وعن نتاجه الأدبي الثر والثري.