السعادة في الرحلة وليست الوجهة

يقول الروائي الكولومبي غارسيا ماركيز ”1927 - 2014“ الحائز على جائزة نوبل للأدب في عام 1982 وذلك تقديراً لقيمته المتفردة في كتابة الرواية والقصص القصيرة، وخاصة تحفته الروائية ”مائة عام من العزلة“ وهي تحفته الروائية الخالدة: ”الجميع يُريد العيش في قمة الجبل، غير مدركين أن سرّ السعادة في تسلقه“.

بعد حياة الأدغال والجبال والصحارى، استوطن البشر المدن، وتحققت حياة المدنية التي ورثناها عن الآباء الأوائل. ومنذ ذلك الحين، ونحن البشر نبحث عن حياة أفضل تُحقق لنا تلك السعادة المنشودة التي كانت وما زالت، أشبه بسراب في ظهيرة حارقة. وخلال المسيرة البشرية الطويلة والمضنية، تعقدت الحياة بشكل دراماتيكي مثير، ولم تعد بسيطة وعفوية وهادئة، بل على العكس تماماً، فقد تحولت كل تفاصيلها، الصغيرة والكبيرة إلى عقد متشابكة ومتداخلة، بل إلى مغامرة محفوفة بالصراعات والتحديات.

مجرد ”جسر عبور“، هكذا أصبحت الحياة، بل محطة نهائية تتوقف عندها كل الأحلام والطموحات وتتحطم على أعتابها كل الأفكار والقناعات، لأنها نهاية الطريق التي يجب أن يسلكه البشر، كل البشر. لقد تحولت الحياة لأمنية تتكسر أمامها كل المحاولات والاختلافات، لأنها كما يظنها الكثير: الحقيقة المطلقة التي لا يوجد غيرها. في غفلة ما، سُرقت منا حياتنا الطبيعية التي تُشبهنا. تلك الحياة الجميلة الوادعة الهانئة التي رسمت لوحة طبيعية من أحلامنا وتطلعاتنا ورغباتنا ومغامراتنا وحماقاتنا، وهي الألوان الطبيعية التي شكّلت ملامحنا وتفاصيلنا وأشياءنا الصغيرة والكبيرة. لقد تحولت أغلب تفاصيل حياتنا إلى مشاريع مؤجلة، فقد تأجلت أفراحنا ومواعيدنا وضحكاتنا ورقصاتنا وأغنياتنا وكل الأشياء الجميلة التي كانت تضج بها قلوبنا النقية وعقولنا البريئة. لقد دُسّت كل تفاصيلنا الحالمة في تلك الحقائب المسكونة بالقلق والتردد.

الحياة، رحلة جميلة تستحق أن نعيشها بكل تفاصيلها المختلفة، لا أن نُقيّدها بأغلال سميكة من المخاوف والهواجس والشكوك، هي في أغلبها مجرد أوهام صنعتها تلك العقول المترددة التي ضلّت طريق الحياة الطبيعية، ولم تدرك حقيقة هذه الرحلة المشوقة التي لا تحتاج للكثير من الإملاءات والإرشادات والتابوهات التي يغصّ بها دفتر العمر. لماذا يُريدنا البعض أن نختزل حياتنا بالغد البعيد، ولا نعيش يومنا الحاضر؟ ولماذا لا نستمتع بحياتنا كما هي، بكل انتصاراتها وإنجازاتها والتزاماتها، وكذلك بكل خيباتها وانكساراتها وحماقاتها؟ ولماذا يمر قطار عمرنا سريعاً وقلقاً وخائفاً لأن هدفه الوحيد هو الوصول للمحطة الأخيرة؟

ما أجمل أن نشعر بالسعادة في انتظار الموعد قبل أن يحين، وما أجمل أن نستمتع برحلة القطار أكثر من متعة الوصول للمحطة، وما أجمل أن نعيش الحياة الآن لأنها رحلة ممتعة تستحق المغامرة. ليتنا نُدرك، قبل فوات الأوان، أن سر السعادة الحقيقية تكمن في ”الرحلة“ وليست ”الوجهة“.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني