الرواية قطعة من الحياة امتزج فيها الواقع بالخيال

الكاتب محمد الحميدي ̎ وحوار حول الرواية «1»

بطبيعة الحال كل إنسان يحمل في داخله أيديولوجيا معينة ينتمي إليها ويضعها نصب عينيه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي الحالتين هو يعتمدها أثناء كتابته حيث ستظهر على شاكلة أفكار، فالروائي كالبقية يحمل أفكاراً ذات توجهات معينة، لكنه يمتاز عن البشر الآخرين بقدرته على تحويل الأفكار المجردة إلى أحداث حية تتحرك أمام القارئ وتقنعه بصدقها.

هنا عرف ̎ الكاتب الحميدي ̎ الرواية على أنها سرد أحداث متلاحقة تضم شخصيات حقيقية أو خيالية، ضمن أزمنة وأمكنة معلومة بالنسبة للقارئ، الهدف منها إيصال أفكار كاتب إلى قارئ، وتعتبر الفكرة لب العمل الروائي.

مقومات الرواية الناجحة

وأشار إلى أن الرواية تحتوي على عدة عناصر من أهمها: الشخصيات - الزمان والمكان - الحدث - الصراع - الحبكة - العقدة - الحل - الفكرة. هذه العناصر مجتمعة هي ما تتألف منها الرواية، والروائي البارع نسَّاج من الطراز الرفيع، يستطيع بما يمتلكه من خيال أن يعيد نسج خيوط حكايته بإتقان يقنع القارئ بأحداثها.

الخيال والواقع في الرواية

وذكر هنا بأن الرواية تنتمي أساساً إلى الأدب الخيالي، والأحداث أو الشخوص التي ترد داخلها، لا يمكن أن ندرجها ضمن خانة الحقيقية لأي سبب من الأسباب، نعم هي تستفيد من الواقع وتستثمره، فأحد مصادر الرواية هو الواقع، الذي يستمد منه الروائي خياله وفكرته وتفاصيل نسيجه، لكنه من جهة مقابلة لا يلتزم بهذا الواقع تماماً؛ لكون الالتزام به سيعني تغيير الجنس الكتابي من نوع الرواية إلى نوع المذكرات الأدبية.

وتابع واصفًا الرواية بقطعة من الحياة، فتأخذ منها الأحداث والشخصيات، ولهذا تأتي مطابقة لما يحصل على أرض الواقع، وهذا التطابق لا يعني وجود الشخصية حقيقة وإنما يعني أن الكاتب اخترعها لتكون شبيهة جدًّا بما هو موجود في الخارج، وبالنسبة للقارئ؛ الشخصيات ذات التصرف والسلوك واللغة الطبيعية ستكون سبباً في إقناعه بصدق الحكاية.

خلود الرواية والكاتب

وبيَّن بأن الروايات تتنوع بتنوع أصحابها واتجاهاتهم ما بين الواقعية والرومانسية والرمزية والعبثية والطبيعية والخيالية.. ورغم الاختلاف الكبير في الاتجاهات الفنية إلا أنهم جميعاً يشتركون في اللغة التي تمثِّل موضع اشتغالهم، فالرواية تتكون من: فكرة يتم التعبير عنها بلغة مناسبة. والمقصود باللغة المناسبة هي تلك اللغة التي تتضمن قدراً من البلاغة، إضافة إلى البعد عن الأخطاء كافة، مهما بدت صغيرة وغير ملاحظة.

وأكد على أن الكاتب البارع هو الذي يستغل الإمكانيات اللغوية المتوفرة لديه بأفضل طريقة ممكنة، فيستعمل الأساليب اللغوية ويزينها بالصور البلاغية، بالشكل الذي يخدم فكرة الرواية، التي ينبغي أن لا تكون مسبوقة، فكلما كانت الفكرة جديدة ومبتكرة أثرها سيكون أقوى في نفوس القراء، الذين سيمنحون الرواية وكاتبها الخلود لفترة من الزمن، قد تطول أو تقصر، نظراً لأمور عديدة، مثل إصدار رواية تحمل فكرة أفضل في نفس الموضوع، أو زوال الاتجاه الأدبي الذي كُتبت من خلاله.

الفكرة واللغة

وأضح بأن مسألة خلود الكاتب والرواية أو عدم خلودهما من المسائل غير الثابتة، فربما ينتشر اسم اليوم، لكنه بعد خمسين سنة يتم نسيانه وتجاوزه، وعلى العكس كذلك، قد يتم تجاهل كاتب اليوم، وبعد خمسين سنة يعود إلى الذاكرة للاحتفاء به وإعطائه مكانته التي يستحقها، ولم تُعط له في حياته، هي مسألة غير ثابتة ولا يمكن التنبؤ بها، وما يستطيع الكاتب أن يقوم به هو التالي: أن يكتب روايته بأفضل جودة ممكنة من ناحيتي الفكرة واللغة ولا يفكر في خلودها من عدمه، فهذه ليست مشكلته.

الابداع الروائي والقدرة على التجاوز

الروائي لا يختلف عن النساج البارع، الذي من أجل أن يتجاوز الآخرين؛ ينبغي أن يهتم بنسيجه، فيجعله محكماً وغير قابل للتفكك، ويضيف إليه الأشكال والصور الجميلة، المساوية لعبارات الروائي الهادفة وصوره البلاغية الأخَّاذة التي تعمل على شد ذهن القارئ.

ومن منطلق ذلك استعرض مصادر الرواية، بعضها يأتي من الواقع، وبعضها يأتي من التاريخ وأحداثه، وبعضها يأتي من الخيال، وبعضها يكون مزيجاً بين مصدرين أو أكثر، والمصادر جميعها متاحة أمام الروائي، ويستطيع الاستفادة منها، لكن الأهم من الاستفادة هو التوظيف، حيث لا فائدة تأتي من المصادر إلا بتوظيف المأخوذ منها داخل عمل روائي محكم، يقدِّمه للناس بصورة جديدة غير معهودة سابقاً.

وأكد على أن المعوُّل في العمل الروائي على التوظيف للأحداث والشخصيات المستلهمة من الخارج أو المتخيلة من قبل الكاتب، الذي سيكون في إمكانه إقناع القارئ بصدق الكتابة؛ أي بصدق أحداثها.

وأضاف بأن الرواية تقدِّم وجهة نظر كاتبها، الذي يهدف إلى إقناع القارئ بها، فإن نجح في عملية الإقناع، وخرج القارئ مقتنعاً بعد الانتهاء من قراءتها، سيكون عمله ناجحاً، وإذا لم يقتنع لن يكون العمل ناجحاً، وأهم شرطٍ من شروط اقتناع القارئ هو صدق الكاتب في روايته.

فنية الرواية

وألمح إلى الصدق الفني وأنه مختلف عن الصدق في الحياة، فحين يهدف الفنان إلى إقناعنا بحكايته المتخيَّلة، يهدف المؤرخ إلى سرد الحكاية الفعلية التي حصلت، وهذا الفرق هو ما يعطي الرواية فنيتها.

وأكد على إن الفنِّية هي محك الكاتب، والمكان الأمثل لإبراز قدرته على سرد روايته بإتقان؛ بحيث لا يترك أصغر التفاصيل تُفلت من بين كلماته، فهو نسَّاج كلمات، والنسَّاج البارع لا يترك نسيجه للصدف تتحكم به، بل يبادر إلى إحكام هذا النسيج عبر ترتيب أجزائه، وإعداد مواده، ورعايته والاهتمام به، حتى يصل إلى الشكل النهائي الذي تخيَّله وأسس كامل عمله عليه.

من أين يبدأ وكيف ينطلق؟

وأردف للروائي مطلق الحرية في اختيار المكان الذي ينطلق منه، ولا يحق لأحد أن يمنعه من أداء فنه، وإن كان الأفضل اختيار المكان القريب المألوف، لأنه حينئذ سيكون أقدر على الغوص في تفاصيله فيرسمها بدقة متناهية، وهو ما لا يتوفر للكاتب حينما يتجه إلى بيئة مختلفة عن بيئته.

يتبع