ضجوج مثقف
يسلك بعضٌ من أفراد المجتمع سلوك الضجوج المثقف، وهم يلجؤون إلى ذلك في معظم أحوالهم؛ كي يثبتوا للآخرين بأنهم يمتلكون من الثقافة والعلم ما يمكنهم من أن يجعلوا الآخرين يستمعون إليهم وحدهم، ويبقونهم في وضعية الاستماع دون الكلام، ف «المايك» عندهم فقط دون غيرهم، يمسكون به بشدة فهو ملكهم، ولا يمكن أن يفلتوه من أيديهم مهما حاول الآخرون الإمساك بزمام المبادرة رغبة منهم بأن يكون لهم دور أو حتى جملة أو كلمة تمر عبر الأثير، وإن تكرم الضجوجون بالسكوت لأخذ قسط من الراحة؛ لأن حبالهم الصوتية بدأت تنهك وتتعب وربما تتقطع، يعطون الدور - مكرهين - لمتحدث آخر، وما إن يبدأ ذلك المتحدث بالكلام والتعبير، حتى يقاطعونه، فيسحبون «المايك» منه؛ ليعودوا للكلام، وتنتهي الجلسة أو الاجتماع أو سمها ما شئت، ولم يتحدث أحد سواهم.
الضحوج حالة اجتماعية كارثية نشاهدها ونتعامل معها في واقعنا الحياتي، نتضايق منه ولا نرتاح إليه، ونعيش بوجوده في إزعاج وصداع غير محتملين، وتكون السلمية والسكوت علاجنا في التعامل معه، ولكن هل هذا العلاج هو حل ناجع وحاسم أم مسكن فقط؟!
الإنسان الضجوج ثقافيا لا تكفي معه تلك المسكنات، بل يحتاج إلى طريقة وإستراتيجية في ردعه وإيقافه عند حده؛ كي يترك الصراخ والصياح، ويعطي الفرصة للآخرين لأن يتحدثوا، ويكون لهم دور في طرح ما لديهم، ومن ضمن تلك الإستراتيجيات في التعامل مع هذا الكائن ما يلي:
- سؤاله عن مصدر معلوماته
- وضع قوانين صارمة معه أثناء النقاش.
- حثه على الاستماع.
- تذكيره بخفض طبقته الصوتية.
- تذكيره بالقواعد الضابطة للحوار.
- إهماله وتهميشه.
هذه الطرق ومثيلاتها تعمل على تساوي كفتي الميزان على أقل تقدير، فهي تعطي الفرصة للضجوج كي يتحدث بما يريد ويلقي ما في جعبته إن كان فيها ما يفيد - ولا أظن ذلك - وتعطي للآخرين الفرصة كي يدلوا بدلوهم، ثم يأتي بعدها دور المتلقين؛ كي يحكموا ويختاروا، وكل وقريحته ومدى ثقافته.
حقيقة لا بد أن ندركها وهي أن العقول الفارغة تحتاج إلى الضجيج على عكس العقول المثقفة، فهي تحتاج إلى الهدوء؛ كي تقدم المعلومة صحيحة كاملة لا يشوبها الخطأ، ولا يعتريها النقص أو عدم الدقة.