لماذا نغفل عن السجود؟!
استنكف أحد زعماء قريش الدخول في الإسلام، وكان من اعتراضاته أنّه يأبى أن يُمَرغ أنفه الشامخ في التراب ويرفع عجيزته للأعلى في وضع السجود، إنّه الاستعلاء والأنفة، إنّه الاستكبار والزهو، صحيح أنّ الخضوع لغير الله مذلة، إلا أنّ العز كلّ العز، في التذلل إليه لنيل رضاه، وإنّ أقرب القُرْب منه في لحظات السجود، فهل تذوقنا لذة سجدة؟، هل شممنا عرف خضوع؟، طرد عدو الله إبليس من الجنّة بسبب رفض السجود، بينما المسلم يستسلم ويطيع لخالقه في عدة سجدات متواليات في كلّ يوم وليلة، فهل أدركنا هذا القرب؟، واستشعرنا هذه النعمة التي نرتع فيها؟، هل جربنا طلب الحاجات منه تبارك اسمه في وضع السجود؟
في زمن الماديات من المهم أن نشير إلى ضرورة تحقيق سجدة القرب، قبل أن تبلغ الروح التراق، لعل سجدة إخلاص واحدة تنفع يوم لا ينفع شيء، هل تأملنا آية من سورة القلم، يقول فيها تبارك اسمه: «يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ»، إنّها حسرة إيما حسرة، لن يتمكن البعض من تأدية سجدة واحدة في ذلك اليوم العظيم، فلما لا نجرب اليوم ونتقرب؟!
كثيرون يشتكون ويتبرمون أنّ دعاءهم لا يستجاب، والسؤال الصريح: هل كان عرض الطلب وإيراد المطلب في أُكْنَة السجود؟، أم كان الاستنكاف ديدن وعدوى متوارثة من إبليس؟، ثم لماذا لا نستحضر أحقية الخالق لهذا الخضوع؟، لا على سبيل خوف ولا لنيل رجاء، إنما من أجل الاستحقاق والمحبة. ورد أنّ أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي «خادم النبي» سأل النبي مرافقته في الجنّة، فقال له النبي: ”فأعني على نفسك بكثرة السجود“، هل تأملنا سر هذا الأثر، وكنوز ما نطوى عليه الخبر؟، لا يغفل اللبيب الأريب عن إدراك الجوهر من فحوى ما يحمله المصدر، فلو قيل لذي لب كذبًا وزورًا أنّ هذا الزر يُفتَح لك به كنوز إرم ذات العماد، لجرب الحصيف العاقل ضغط الزر رغم علمه بتواطئ الرواة على الكذب، كيف إذا كان المعتقد أنّ القائل هو الصادق الأمين، الذي لا ينطق عن الهوى، ألا يحمل ما قاله على صدق المدعى في الإشارة لأهمية السجود؛ لبلوغ المقام المحمود، في تسنم الوسيلة ذات الدرجة العالية الرفيعة في جنّة الفردوس؟، ألا يستحق منا الأمر ضرب القداح بالتجريب؟، كيف وقد ورد: ”أقربُ ما يَكونُ العبدُ من ربِّهِ، وَهوَ ساجدٌ، فأَكْثروا الدُّعاءَ“.
في الختام نقول إنّ لكل عبادة شائبة، منها شائبة الرياء والفِخَار، فلماذا لا نجرب اكتناه ”سجدة السر“؟، في ليلة سوداء بظلمة دهماء، بعيدًا عن لحظ العيون، ليكن السجود سجود قلب، سجود قرب، سجود إخلاص، ألم يرد في الأثر أنّ النبي يسجد في يوم القيامة من أجل الشفاعة، فيأتيه الخطاب: ”يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع“، فيقول: ”يا رب أمتي، أمتي“، ألا يقودنا التأمل لبلوغ مكانة السجدة؟، هناك من العباد من عشقه السجود، حتى ظهرت على محياهم الثكنات الغر في الجباة، فإلى كل من طلب بلوغ الفتح، أي فتح، تأمل آخر آية من سورة الفتح، حيث يقول تبارك اسمه فيها: ”سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ“، ألا يقودنا ذلك لتجربة هذا السر الأعظم؟، فلماذا
نغفل عن السجود؟!